لم يعد خافيًا على أحد أنّ "حزب الله" غير مستعجل لانتخاب رئيس للبنان والسير بتفاهم يعيد رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري الى الحكومة والبلاد. ولعلّ الصراع المحتدم بين حليفيه رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ على سدة الرئاسة، واتخاذه الموقف الأقرب الى الحياد، حتى ولو خرج أمينه العام السيد حسن نصرالله شخصيًا ليعلن تأييده للعماد عون من دون أن يمزق ورقة فرنجية، كلها مؤشرات الى أن الحزب بات يربط تلقائيًا الساحة اللبنانية بساحات المنطقة، أولَم يقلها الأمين العام بالفم الملآن في كانون الثاني 2015: "لم نعد نعترف بتفكيك الساحات ولا بقواعد الاشتباك في مواجهة العدو".

ولا تتردد مصادر في قوى "​8 آذار​" مقربة من "حزب الله" بالتأكيد على أن "حل الأزمة اللبنانية بات مرتبطاً بوقف اطلاق النار في سوريا"، متسائلة: "أي منطق يجيز توقيع الحزب لاتفاق مع السعودية في لبنان لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية وهو يحاربها في سوريا؟"

وتشير المصادر الى أن "المرحلة المفصلية" التي تمر بها المنطقة ستنتهي الى تغيير كبير في موازين القوى، ولعل اعتماد "حزب الله" منطق رفع السقف السياسي أدقّ تعبير عن "فائض القوة" الذي يتكّىء عليه. وفي هذا السياق تقول المصادر: "في البدء طرح الحزب فكرة المؤتمر التأسيسي، حينها كان الظرف ملائما تماما، الا ان الأحداث والمتغيرات السريعة أطاحت بالفكرة. بعدها طرح السلّة المتكاملة للحل، وكانت الظروف مناسبة جدًا، ولم يستجب الفريق الخصم للفكرة التي كانت ستؤدي لاحداث توازن داخلي معين... حتى قرّر "حزب الله" اعادة سحب طرحه هذا، لاقتناعه بأن الظروف والمعطيات الراهنة باتت تؤكد أن ما سيحصل عليه وفريقه السياسي أكثر مما كان يطمح اليه".

وقد أرخت التطورات الميدانية في سوريا مؤخّرًا وبالتحديد في حلب ودرعا بظلّها على المشهد اللبناني، فتركت ارتياحًا كبيرًا في صفوف قوى الثامن من آذار، التي تؤكد مصادرها أنّها، وعلى رأسها "حزب الله"، "تعيش أقصى درجات الارتياح نتيجة المستجدات السورية، أضف الى كونها مطمئنة تمامًا لتماسك المكونات الأساسيّة في فريقها، ما يجعلها غير مستعجلة على الاطلاق للسير بحل يعوّم الرياض".

ويسعى "حزب الله" لنقل اطمئنانه وبشكل دوري الى حليفه الأساسي العماد عون الذي بات مقتنعًا بأن توقيت الحل لم يحن بعد، الا أنّه يبدو مرتاحًا لفكرة أن تبوؤه سدّة الرئاسة مسألة وقت لا أكثر، لذلك كان حاسمًا في الاجتماعات الأخيرة لتكتله أكثر من أي وقت مضى بموضوع منع نوابه ووزرائه كما قياديي تياره على حد سواء من الدخول في سجال مع أي من الفرقاء وعلى رأسهم تياري "المستقبل" و"المردة".

لكن تجنّب الدخول في مواجهة مباشرة مع فرنجية لا يعني أنّه تمكن من تجاوز تصريحاته الأخيرة، فبحسب المصادر، ان "جرح العماد عون بليغ وقد لا تداويه الأيام قريبا". ولعلّ انقطاع القنوات حتى الثانوية منها بين الطرفين، أكبر دليل على اتساع الهوّة أكثر من أي وقت مضى بين الزعيمين المسيحيين.

بالمحصلة، وان كان حقيقة أن لبنان لن يسلك طريق الحلول قبل وقف اطلاق النار في سوريا، فذلك يعني تلقائيا أن الفرج لا يزال بعيدا... الفشل المدوّي لجنيف 3 لا يزال يُسمع صداه في بيروت، والتصعيد العسكري في حلب ودرعا وصيحات "لبيك يا نصرالله" التي صدحت بها حناجر أهالي ومقاتلي نبل والزهراء، هي أيضا ستدوي لأشهر قد تكون طويلة.