ما من شيء يشكو منه ال​لبنان​يون بالقدر الذي يفعلونه بازاء الادارة اللبنانية المترهلة ببيروقراطية تعود الى القرن الماضي. الشكوى هذه مبررة على نحو يثير الاشمئزاز عند صاحب اي معاملة جراء الروتين القاتل الذي لا يعبأ بثمن الوقت والجهد، ناهيك بالفساد الذي ينخر الجسد الاداري العام والمحسوبيات الطائفية والمناطقية والسياسية باشكالها كلها.

في مقابل هذا المشهد السوداوي والممل لكثرة تكراره، نجحت المديرية العامة للامن العام في حصد خمس جوائز "ISO" للجودة شكلت بارقة امل يمكن التأسيس عليها في سائر المؤسسات والادارات العامة، اذا ما كان اللبنانيون شعبا ومؤسسات، سياسية وحقوقية واجتماعية، جادين في بناء الدولة القوية والعادلة التي تحكمها القوانين المتطورة وليس العصبيات والاهواء.

ابناء الامن العام هم من هذا الشعب المعروف عنه مكابدته الاخطار والمحن، وما قاموا به بعد اتخاذ القرار بجعل مؤسستهم ريادية ومُجلة بوفائها لقسمها ومهمتها ودورها، يعني ان التحديث والتطوير والجودة كلها عوامل قابلة للتحقق، اذا اتخذ القرار الجدي للوصول الى ما نصبو اليه لجهة الانتقال الى العيش في مكان مضيء ومشرق من العالم، لا ان نبقى نراوح في مربع التخلف.

الجوائز الخمس مبعث اعتزاز للمديرية برمتها، وهي حكما للبنانيين جميعا مسؤولين ومواطنين، لأن هذه المؤسسة منهم ولهم، اتخذت خيارها تقديم النموذج الامثل لمعنى بناء الدولة المتطورة التي يعتز اي مواطن بتناسله منها. الادارة العامة هي جميع العمليات والنشاطات الحكومية التي تهدف الى تنفيذ السياسة العامة للدولة باستخدام الجهود البشرية والوسائل المادية استخداما يعتمد التخطيط والتنظيم والتوجيه. وهذا ما كان مع تولي اللواء عباس ابراهيم مهماته كمدير عام للامن العام، فكانت النتائج حقا مكتسبا لجهد استلزم تخطيطا ومتابعة دقيقين، كما استنزف جهدا استثنائيا اثمر هذا النجاح.

الادارة العامة ليست ترفا يمكن اي كان مباشرته بوصفه من هذه الجماعة او تلك، بقدر ما هي ابداع وفكر خلاق اساسه وضع البرامج، تنظيم الاولويات، متابعة التنفيذ، مراقبة شفافة. ان المؤسسات الرسمية تتطور بتطور المجتمعات وتقدمها، وبتحديث وظائفها المتنوعة، وهذا لا يتحقق الا بتأثير عوامل عدة كمتطلبات التقدم الانمائي والوظيفي والاقتصادي، اضافة الى انتشار الافكار الاجتماعية ما يجعل الدولة محركا اساسيا للنمو العام في المجالات المختلفة، وتحقيق العدالة والمساواة كضمان اساسي ونهائي لاستقرار الدول التي لا يمكنها البقاء ضمان الامن حصرا، والامثلة والشواهد على ذلك كثيرة وواضحة.

ليس مغامرة القول، ومن خلال التجربة، ان بناء الدول يبدأ ببناء ادارة مهنية متخصصة، نظيفة وشفافة. تلك عناصر فكرة الدولة وصلبها. لم يعد دور الادارة يقتصر على تنفيذ السياسة العامة للدولة وتحقيق اهدافها، بل اتسع نطاق تدخلها ايضا ليشمل المجال التشريعي. وذلك من طريق اشراكها في رسم السياسة العامة للدولة في كثير من المجالات، وهذا ما نشاهده ونشهد له في البرلمان اللبناني كخطوة نوعية لتطوير الادارة اللبنانية.

هكذا صارت الادارة العامة علما متصلا بسائر العلوم الاجتماعية مثل علم السياسة وعلم الاقتصاد والقانون العام والمالية العامة والبيئة والاتصالات والتكنولوجيا الصناعية وغيرها. كما يقترب كثيرا من علم ادارة الاعمال على اساس الوحدة والتقارب في التنظيم، الا انه يختلف عنه كثيرا في الاهداف والوسائل. فالهدف الذي يسعى اليه المشروع الخاص هو الربح الشخصي، بينما الادارة العامة تسعى الى تلبية حاجات المجتمع وتحقيق المصلحة العامة، وربح وطن ودولة متحضرة.

اهمية الادارة العامة تكمن في تزايد مستمر في حياة المجتمعات البشرية، وهي ضرورة الى جانب النشاط الفردي، وعندها ـ وبعدها ـ يمكن الحديث والتباهي ببناء دولة يعتز بها مواطنوها. وهذا لن يكون من دون التخطيط الذي يرمي الى مواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفا لتحقيق اهداف محددة.

مبروك للبنان من الامن العام الشهادات الخمس.