كثيرون من السياسيين اللبنانيين يلهون ويتلهون بالمماحكات والنكايات والكيديات فيما الدنيا من حول وطننا تتبدَّل وبالتأكيد ليس لمصلحتنا.

أول من أمس الخميس، وفيما المعارك الكلامية بين السياسيين اللبنانيين على أشدِّها في ما يختصُّ بالملفات العالقة، من إنتخابات رئاسة الجمهورية، إلى توقيع عقود ترحيل النفايات، إلى مذهبية الوظائف في إدارات الدولة ووزاراتها، كانت سبعون دولة، أي ما يقارب أقل من نصف دول العالم، يجتمع ممثلوها في لندن للبحث في سبل تقديم المساعدات للسوريين خصوصاً لجهة تعزيز وجود مَن هم في الدول المجاورة لسوريا، أي لبنان والأردن وتركيا، من خلال تأمين فرص عمل لهم وتعليم أبنائهم وإيجاد تأمين صحي لهم.

***

المؤتمر تمخّض عن وعود بنحو أحد عشر مليار دولار، أي ثلث ما تحتاج إليه سوريا، والذي قدَّره خبراء البنك الدولي بنحو 35 مليار دولار، لم يتسرَّب شيء عن حصص الدول المضيفة ولا عن كيفية توزيع هذه الأموال، فتنظيم الأمر سيتم عبر لقاءات ثنائية بين الدول المانحة والدول المضيفة.

لكن ما تسرَّب، كشف أنَّ لبنان، ووفق دراسة أعدّها البنك الدولي، يحتاج سنوياً إلى نحو مليارين ونصف مليار دولار لتغطية كلفة مساعدة النازحين السوريين. لكن هنا تبدأ المشكلة بدلاً من أن يبدأ الحل! كيف ذلك؟

الأموال ستتوافر لكن بالشروط التالية: تأمين اندماج النازحين بالمجتمعات التي نزحوا إليها من خلال توفير فرص العمل لهم وتوفير المقاعد الدراسية لأبنائهم وتوفير الطبابة والإستشفاء لهم.

ماذا يعني هذا الكلام؟

يعني أولاً أنَّ النازحين الذين سيصل عددهم إلى مليوني نسمة حين تبدأ الأموال بالتدفق، سيشكِّلون نصف الشعب اللبناني، وإذا كان ربع هذا العدد من اليد العاملة فإنه سيكون لزاماً على لبنان تأمين فرص عمل لنصف مليون سوري. وإذا كانوا جميعهم بحاجة إلى تأمين طبي، فهذا يعني أنَّ لبنان ملزم بتأمين الطبابة لمليونَي سوري. وإذا كان بين هؤلاء نصف مليون طالب فهذا يعني أنَّ على لبنان تأمين نصف مليون مقعد دراسي.

***

هذه هي المشكلة التي نحن في خضمِّها:

مليونا نازخ، ومليونا محتاج إلى تغطية طبية واستشفائية، ونصف مليون يحتاجون إلى مقاعد دراسية، ونصف مليون يحتاجون إلى فرص عمل.

ولبنان، هذا البلد الذي يغرق بأكثر من ستين مليار دولار ديناً. وبعجزه عن تأمين فرص عمل لأبنائه. وبعجزه عن تأمين الطبابة والإستشفاء لهم.

كيف له أن يؤمِّن هذه المستلزمات، هذا إذا افترضنا أنَّ الدول المانحة ستفي بوعودها. فكم من المؤتمرات عُقدَت من أجل تأمين الدعم للسوريين الذين نزحوا إلى دول الجوار في لبنان والأردن وتركيا، فماذا كانت النتيجة؟

***

هنا يكمن الخطر الحقيقي، ولبنان على موعد مع كارثة على هذا المستوى، فكيف يواجهها بغير التلهي بالأمور التافهة والسخيفة؟

إن الدول التي اجتمعت في لندن ولا سيما الأوروبية منها ليس قلبها على السوريين، بل على أن يبقوا حيث هُم فتدفُّق اللاجئين إلى أوروبا أثار هلع دولها فارتأت بدلاً من إيوائهم أن تُبقيهم في الدول المجاورة لبلدهم أي لبنان والأردن وتركيا، وبكلفة أقل من الكلفة التي تتكبدها فيما لو هُم في تلك الدول.

***

هنا نلحُّ على رئيس الحكومة تمام سلام أن يطرح برنامجاً لمعالجة هذه القضايا، خاصة ان التقارير الغربية التي قُدِّمَت في مؤتمر لندن تشير إلى أنَّه حتى لو حلّ السلام غداً في سوريا فإنّ الذين نزحوا لن يعودوا فوراً إلى بلدهم، واستطراداً سيبقون في البلدان التي هم فيها الآن.

***

هل يُدرِك اللبنانيون حجم المشكلة التي هُم فيها؟