عندما تحدّث الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله بإسهاب عن الموضوع الرئاسي، أوحى بأنّه غير قادر على دفع قوى "​8 آذار​" للتصويت لرئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، وأنّ تعاطي "الحزب" مع "الحلفاء" هو من الندّ للندّ، لكن ما حصل خلال الساعات والأيّام القليلة الماضية أكّد "المَونة" التي يتمتّع بها "حزب الله" في صُفوف قوى "8 آذار"، لأنّه لولا هذه "المَونة" لكان نصاب الثلثين لجلسة الإثنين قد تأمّن، ولكانت جرت الإنتخابات الرئاسيّة بكل بساطة. فقد جرى إقناع بعض الكتل المُؤيّدة لترشيح رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجيّة بالتغيّب عن جلسة الإثنين، ليكون مصير هذه الجلسة كما نظيراتها منذ سنة وثمانية أشهر. فما الذي يُريده "الحزب" قبل أن يَمُون على "الحلفاء" بالحُضور وتأمين النصاب؟

ليس سرًّا أنّ "حزب الله" يُفضّل النائب عون على النائب فرنجيّة، لدوافع تتجاوز الإلتزامات السياسيّة والأخلاقيّة، وترتبط بحجم الدعم الذي يتأمّن له في الشارع المسيحي في حال فوز "الجنرال" بالرئاسة، وليس سرًّا أيضًا أنّ "الحزب" ليس مُستعجلاً لحرق مراحل إنجاز ملفّ الإنتخابات الرئاسيّة ويُحاول ربطها بتطوّرات إقليميّة مختلفة، مُتعلّقة خُصوصًا بالميدان السوري، لكنّ ما يُريده "حزب الله" بالدرجة الأولى وفوق كلّ ذلك، يتمثّل في إخضاع الحُكم في لبنان لمرحلة مُختلفة عمّا ساد في السنوات العشر الأخيرة. وفي هذا السياق، يُمكن تسجيل ما يلي:

أوّلاً: يرفض "حزب الله" أن تمرّ التغييرات التي حصلت في سوريا من دون أيّ تأثير على وضع الحُكم في لبنان، فهو راهن على بقاء الرئيس السوري بشّار الأسد في منصبه، ودفع ثمنًا باهظًا للمُساهمة مع أفرقاء آخرين في تحقيق هذا الهدف، حيث خسر "الحزب" في سوريا خلال أربع سنوات عددًا أكبر من المُقاتلين ممّا خسره في حرب تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي، ويُريد بالتالي أن يدفع من راهن على إسقاط النظام السوري ثمن فشل رهانهم، وأن يحصد هو ثمن ما يعتبره تضحيات جسيمة قام بها.

ثانيًا: يرفض "حزب الله" أن يعود رئيس "تيار المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ إلى الحُكم من موقع قُوّة، ومعه كل فريقه وحلفائه، ومعه أيضًا رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​، ليتمّ مُجدّدًا تقاسم السُلطة في لبنان وفق صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، كما حصل عند تشكيل حُكومة تمّام سلام الحالية، من دون الأخذ في الإعتبار التحوّلات السياسيّة الإستراتيجيّة في الشرق الأوسط، والتغييرات العسكريّة الميدانية في أكثر من مكان، لا سيّما في سوريا.

ثالثًا: يرفض "حزب الله"، وعلى الرغم من حديثه عن التخلّي عن السلّة الكاملة، أن تتمّ التسوية الرئاسيّة من دون معرفة شكل قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبل، أقلّه عبر الخُطوط العريضة، لما لهذا القانون من تأثير على إعادة تركيب الحياة السياسيّة في لبنان وفق موازين قوى قد تكون جديدة ومُختلفة عن السابق، حيث تُوجد محاولات جدّية لإفقاد كل من "تيّار المُستقبل" و"الحزب التقدّمي الإشتراكي" وبعض القوى السياسيّة الأخرى، "التُخمة النيابيّة" المُؤمّنة لهم عبر قوانين تجعل من أصوات شرائح مسيحيّة واسعة عرضة للذوبان في أكثريات شعبيّة مُسلمة في العديد من الدوائر الإنتخابيّة.

رابعًا: يرفض "حزب الله" أن يكون العهد الرئاسي المُقبل عهد الحياد اللبناني، أكان هذا الحياد نظريًا أم فعليًا، ويتطلّع لأن يُطبّق الرئيس المُقبل سياسة عامة أقرب إلى توجّهات "الحزب" وتموضعه الإقليمي، الأمر الذي يَستوجب عدم إرتهان الرئيس المُقبل لأيّ إلتزامات او تعهدّات مُسبقة من شأنها أن تحدّ من قُدرته على ترجمة تحالفه مع "الحزب" إلى واقع محسوس في أسلوب حكمه.

وانطلاقًا من كل ما سبق، يعتبر "حزب الله" أنّ وُصول العماد عون إلى الرئاسة هو أفضل من وُصول النائب فرنجيّة المُستعد أكثر من "الجنرال" لعقد التسويات ولتقاسم السلطة من دون "وجع رأس" لخُصومه السياسيّين، ويعتبر أيضًا أنّ الأهم من وُصول أحد "الحلفاء"، أكان عون أم فرنجيّة، إلى منصب الرئاسة يتمثّل في توفّر الظروف المُناسبة لترجمة ما يعتبره إنتصارًا لخطّه السياسي في الشرق الأوسط ميدانيًا على الساحة اللبنانيّة. وبالتالي، من المُرجّح أن يُواصل "حزب الله" اللعب على وتر "المَونة" التي يملكها في صُفوف "الحلفاء"، لإفشال نصاب الجلسات الرئاسيّة المُقبلة، مُراهنًا على أن الوقت لفرض واقع جديد على لبنان ليس ببعيد. فهل ستنجح خطّة "الحزب" أم أنّ خُصومه واعون لما يُحاك، والأهم أنّهم قادرون على إفشال ذلك؟