كان يمكن لسعد الحريري بعد 14 شباط 2005 ان يلملم الجرح الكبير وينسحب مع عائلته من العمل الذي لم يكن والده يحضره له ولا هو كان يدرك لحظة انه سيرثه لكن جمهور رفيق الحريري على مساحة لبنان والعالم العربي شاء ان يلعب القدر مرة جديدة لمستقبل الابن الشاب الثلاثيني الذي كان ينحني عند كتف والده ويقبلها قبل ان ينصرف الى مهمات العمل الشاق في المملكة آخذا على عاتقه مهمات المجموعة المالية والاقتصادية والعمرانية الواسعة.

غمر جمهور الرئيس الشهيد الشيخ سعد الحريري بكل الحب واعطاه الثقة وسلمه الامانة فحملها بكل ثقة واخلاص فيما كانت الامواج العاتية تلعب بقدر الوطن الجريح في اصعب لحظات تاريخه، غرب يضغط، عالم عربي متصدع، داخل ممزق، ومهمة سعد الحريري شبه مستحيلة... بلد يستعيد حريته والرفاق على الطريق يتساقطون اغتيالا واحدا تلو الآخر وشيئا فشيئا تكبر علامات الاستفهام والاسئلة.

تتعقد الملفات... تبدأ الموازين بالاختلال وهو داخل الى اجتماع مع رئيس اميركا تغتال حكومته لتعريته امام المجتمع الدولي... يتابع النضال... يربح انتخابات يخسر حقائب يخسر رفاقا يربح جولات كل ذلك يجري على وقع التناقضات العربية وهو في صلبها.

***

الحديث هنا عن الرئيس سعد الحريري، هذا الرجل سرّ وهذا السرّ لا يعرفه إلا مَن يتعمَّق فيه:

هو سرّ أبيه، أخذ عنه حبَّه للناس وشغفه بالإلتصاق بهم والتعرف على أحوالهم.

هو سرُّ عارفيه ومحبيه، يتحدث معهم ليس كسياسي مع جماعته بل كواحدٍ منهم.

هو سرُّ جيله، فحين استُشهِد والده منذ احد عشر عامًا، كان طريَّ العود في السياسة، بمعناها اللبناني، لكنه كان ناضجًا جدًا في الأَخلاق السياسية لجهة الصدق فيها وشفافيتها وسموِّها وابتعادها عن الزواريب الضيقة.

***

عنده، السياسة ليست حقدًا أو كراهية او كمائن للأذيَّة، كما ليست غدرًا أو قلة وفاء أو ان الصدق فيها غبّ الطلب. خصومه قبل حلفائه شعروا غالبًا أن الإختلاف مع هذا الرجل مريح كما التحالف، فهو شريف في الخصومة وشريك في التحالف، خصمه كما حليفه لا يخشى ان يدير ظهره واستطرادًا لا يخشى الطعن، فالرئيس سعد الحريري لا يحمل سكينًا للطعن بل لسانًا حلوًا دافئًا وروح الصدق والدعابة، فمَن من حلفائه كان خائبًا معه؟ ومَن من خصومه شعر بالغدرِ منه.

***

هذا هو سعد الحريري الذي لا تعرفونه.

ما بالكم لا عمل لكم سوى الشغل والإشتغال والانشغال به، لم تُخلَق وسائل التواصل الإجتماعي من أجل تلهيكم به، ولم يُخلَق الإعلام فقط لتسخيره للاشاعات.

ماذا يهمكم إذا كانت كلمته في 14 شباط ستتضمَّن او لا تتضمَّن ترشيحًا؟

ايُّ حشرية هي هذه الحشرية في معرفة أحواله المالية والمادية؟ ماذا يقدِّم ذلك في يومياتكم؟

من اين جئتم برواية ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سيطلب منه تأييد العماد عون؟

هو قام بمبادرة صامتة، ومنذ ذلك التاريخ لم يتكلّم، فمَن كلّفكم بالتكلم باسمه؟

***

إن أقل ما يُقال ايها الطبيب طبِّب نفسك، فالذين يقترضون من البنوك لبناء قصور فيما مؤسساتهم ترزح تحت ديون باهظة، لا يحق لهم ان يطببوا غيرهم.

***

إطمئنوا، يا مَن كنتم تاكلون معه، إلى مائدته، وتهاجمونه اليوم.

سعد الحريري بألف خير وعلى كل المستويات، ولا تخافوا لن يضيّع فلساً على أحد، اما إذا نجح رهانه في انتخاب مرشحه رئيسا للجمهورية، يكون البلد قد ربح الرهان، وإذا لم ينجح رهانه يكون المبادر الأول ولن يستسلم..

إذا تحسَّن الوضع الإقتصادي للبلد يكون التحسن ايجابيًا على الأربعة ملايين لبناني وليس لسعد الحريري وحده بالتأكيد، فما بالكم تُجيّرون الاسود والابيض له ؟

***

دعوا الرئيس سعد الحريري، في هذا الشهر، في آلامِهِ وآمالِهِ دعوه في حزنِهِ الصامت والقاسي على والده الشهيد، اتركوا له الجمرة تحرق مكانها. ألا تعرفون شيئًا إسمه حُرمة الموت أو حُرمة الشهادة ؟ هل كل شيء عندكم مصالح بمصالح؟