يرى سياسيون أنّ من حقّ الرياض أن تُشهِر سيف التدخل العسكري في سوريا بعد التطوّرات الميدانيّة التي حصلت في شمال سوريا وجنوبها وغربها، فحلفاء الرياض في سوريا باتوا مربَكين، عسكرياً في الميدان، وسياسياً في جنيف، وبدوا وكأنهم المسؤولون عن فشل المحادثات التي كان ينتظرها طويلاً السوريون ومعهم العرب والعالم.

إلّا أنّ هؤلاء السياسيين يعتقدون أنّ المملكة العربية السعودية، ومعها تركيا، تدركان جيداً العقبات التي تواجه مثل هذا التدخل، سواءٌ في الميدان السوري، أو في الميدان الإقليمي، أو في الميدان الدَولي، خصوصاً أنّ هاتين الدولتين الكبيرتين تدركان عمق التفاهم هذه الأيام بين موسكو وواشنطن حول الملف السوري، أو على الأقل، التفاهم بين الرئيس فلاديمير بوتين وإدارة الرئيس باراك أوباما التي تُرسِل منذ فترة إشاراتٍ تدعو فيها المعارضة السوريّة الى الإنخراط في عمليّة سياسيّة يشترك فيها النظام.

والسعوديّة تُدرك، حسب هؤلاء السياسيين، أنّ تركيا المُحاطة بالإتحاد الروسي والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ليست جاهزة للإنخراط في مغامرة تضعها وجهاً لوجه مع الجارَين الكبيرَين، خصوصاً بعد الخسائر التي مُنيت بها إثر إسقاط الطائرة الروسية، بالإضافة الى الخسائر الإقتصادية الكبيرة التي تترتب على تدهور علاقاتها مع طهران، فيما تشهد (أيْ تركيا نفسها) أزمة اقتصادية خانقة وأزماتٍ سياسيّة وأمنيّة متلاحقة.

ويشير السياسيون إياهم الى أنّ مصر، وهي الحليف الثاني للسعودية، لها رؤية للأزمة السورية تختلف عن رؤية حليفها السعودي. فمصر تعتبر أنّ أمنها القومي من أمن سوريا، وأنّ إنتصار الجماعات المتشدّدة في بلاد الشام سيجعلها ذات قوّة ونفوذ كبيرَين داخل مصر، خصوصاً إذا تذكرنا وجودها المتنامي على الأراضي الليبية.

ومن هنا يفهم هؤلاء السياسيون حديثَ خادم الحرمَين الشريفَين الملك سلمان بن عبد العزيز أمام المشاركين في مهرجان الجنادرية السنوي والذي كان يحظى باهتمام خاص لدى الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، ففي هذه الكلمة رأى السياسيون أنفسهم أنها تحمل خطاباً تصالحياً مع دول المنطقة التي تشهد علاقاتها بالرياض توتراً، إذ قال في وضوح: «نحن لا نتدخل في شؤون الآخرين ما داموا لا يتدخّلون في شؤوننا».

ويستطرد بعض السياسيين في القول إنّ ما جرى في الميدان السوري هو أكثر من رفع الحصار عن بلدتين شيعيّتين حوصرتا منذ أربع سنوات، كما أنه أكثر أهمية من فك الحصار عن مطارٍ استراتيجي في شمال البلاد، أو استعادة السيطرة على ريفٍ ساحلي شمال اللاذقية، أو على بلدتين استراتيجيّتين في جنوب سوريا، فالأمر يشير الى أنّ جيش النظام ومعه حلفاؤه على الأرض والطيران الروسي في الجوّ مصمّم على استعادة السيطرة على كلّ الأراضي السورية التي نجحت الجماعات المسلّحة في انتزاعها من سيطرة النظام.

فهذه العمليات قد أكدت أنّ الحديث عن تقسيم سوريا طائفياً، كما عن تورّط النظام وحلفائه في مشروع التقسيم، لا يستند الى حقائق ملموسة على الأرض، بل إنّ الحقائق الملموسة تؤكد أنّ النظام باندفاعة جيشه شمالاً وجنوباً، ساحلاً وداخلاً، إنما يعتبر أنّ صون وحدة سوريا في رأس مهماته، وأنّ «سوريا المفيدة» التي أعلن الرئيس بشار الأسد عنها مرّة وجرى البناء عليها في كثير من التحليلات والسيناريوهات، ليست إلّا المرتكز الذي تنطلق منه الدولة السورية لاستعادة السيطرة على كلّ أراضيها.

ويقرأ هؤلاء السياسيون في الخطة العسكرية للنظام وحلفائه تصميماً على إغلاق كلّ الحدود التي يتدفّق منها السلاح والمسلّحون، ففي الشمال يُعمَل لإغلاق الحدود مع تركيا، وفي الجنوب لإغلاق الحدود مع الأردن، بالإضافة الى معارك تل كلخ والقصير والقلمون وصولاً الى الزبداني لإغلاق الحدود مع لبنان، فدمشق تعتقد أنّ مثل هذه المجموعات المسلّحة لا يمكن الانتصار عليها إلّا بإغلاق المنافذ أمام وصول الإمدادات لها،

ثمّ بعدها يجرى التفاوض مع المسلّحين مثلما جرى في حمص ومدن سوريّة أُخرى على قاعدة إعادة وزير الخارجية السوري وليد المعلم التذكير بها في مؤتمره الصحافي الأخير حين قال للمسلّحين «إنّ بلادكم مفتوحة لكم، فأقلعوا عن الرهان على مَن تسبّب بتوريطكم ثمّ تخلّى عنكم»... فسوريا، كما قال المعلم، «ما زالت مفتوحة لجميع بنيها».

فيما يقول بعض زوار دمشق إنّ القيادة السورية، على رغم انهماكها بالميدان ومتطلّباته، فإنها مشغولة أيضاً بالبحث في آلياتِ تضميد الجروح التي خلفتها حرب السنوات الخمس لكي تعود اللحمة والوحدة بين أبناء سوريا.