هل دخلنا، جدياً، في غروب عصر الديموقراطية البرلمانية اللبنانية؟ أو أننا دخلنا في شروق نظام لبناني جديد يتعذّر منذ اليوم تحديد مقوّماته وقواعده؟

ربّما يبدو الجواب الحاسم متعذّراً في هذه المرحلة التي يضيع فيها الحابل بالنابل ليس في الداخل اللبناني وحسب، بل أيضاً على مستوى المنطقة التي تمر في اللحظة الحرجة جداً، حيث تتناسل التطورات أحداثاً غير مسبوقة. فليس قليلاً أن تكون المملكة العربية السعودية تخوض حروباً وتوفد جيوشاً إلى اليمن، وقبلاً الى البحرين، ولاحقاً الى سوريا أيضاً. وليس بالأمر البسيط أن يكون ديكتاتوريون ثلاثة سقطوا أولهم في مصر وثانيهم في ليبيا وثالثهم في تونس، من دون أي تدخل عسكري خارجي. وليس بالأمر السهل أن تكون سوريا قد تحوّلت من دولة مهيبة، آمنة، فاعلة في المنطقة، كلمتها مسموعة في العالم، ذات «صلاحيات» مطلقة في لبنان، إلى ما نرى من قتل ودمار وتهجير ونزوح، دولة لم يبق منها إلاّ شبحها، يتدخل فيها القريب والبعيد من دول وأشباه دول وميليشيات. وليس بالأمر العادي أن يعلن عن قيام الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) وما رافق ذلك واستتبعه من كوارث وفظائع تحملنا منها في لبنان الكثير... ونكتفي بالإشارة الى ما يجري في جرود عرسال واختطاف العسكريين.

والمؤسف أنّ هذا كله يحصل في وقت يعيش لبنان فراغاً في رئاسة الجمهورية، وتعثراً (بل أكثر من تعثر) في الحكومة، وتعطيلاً في مجلس النواب، مع تمديد نيابي مرتين والثالث على الطريق... بينما الوزارات في حال يصح فيها وصف «المضحك المبكي»، بل باتت وكل منها أشبه بـ «حارة كل من إيدو إلو»... فكل وزير فاتح على حسابه... وما أدراك ما «الحسابات» على الصعيدين السياسي والمادي كذلك؟!

باختصار إن ديموقراطيتنا تذوب، وهي الوحيدة في هذه المنطقة من العالم بدأت تذوب إن لم تكن قد ذابت تماماً ولم يبقَ منها شيء يُذكر... وآخر إفرازاتها (... وإنجازاتها) أن مرشَّحَين لرئاسة الجمهورية يتقدّمان من النواب بطلب تأييد كل منهما للرئاسة، فَتُعيّن الجلسة ليتمنع كلاهما عن الحضور. احدهما، العماد عون، ملتزم بفريق 8 آذار الذي يدعمه، والآخر، النائب فرنجية، ملتزم أيضاً بالفريق الذي يدعم منافسه، ولا يلتزم بالفريق الذي رشحه (14 آذار) والذي «ينزل» نوابه الى جلسات الإنتخاب! مفارقة، أليس كذلك؟

أية ديموقراطية هي هذه الديموقراطية؟ وأي ممارسة هي هذه الممارسة؟ وكم كانت ديمواقرطيتنا «لامعة» أمس باقتراح النائب دوري شمعون وضع «دفتر شروط» (هكذا حرفياً) لرئيس الجمهورية؟!

وأما إقتراح النائب بطرس حرب المزدوج فهو جيد من حيث المبدأ (مع إمكان المناقشة فيه) إلاّ أنه يقتضي تعديلاً للدستور، وهذا يفترض نصاباً نيابياً معروفاً، فعندما يتوافر مثل هذا الحضور النيابي فمن باب أولى أن يتجه الحاضرون الى إنتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً وأن مشكلتنا هي مشكلة نصاب.