بتاريخ 17/2/2011 وقّـّع لي العماد ميشال عون في دارته في الرابية كتاباً بعنوان "الطريق إلى الجمهورية الثالثة"، أهداني إيّاه بمحبّة وأمل، وقال لي الكثير، منها، حرفياً هذه العبارات التي أنقلها اليوم بأمانة:

"بيوم من الأيام رح يعرفوا أنا كيف بدّي الجمهورية تكون؛ وإذا ما عرفوا التاريخ رح يحاسب".

اليوم 9/2/2016؛ الجنرال ميشال عون مرشّح لرئاسة الجمهورية اللبنانية، فريقٌ معارض له لأنه فقط "الجنرال" وآخر موالٍ له لأنه يعرف "مشروع" الجنرال، وفريقٌ يدّعي الفقه بالسياسة فقط لأنّه يحمل لوحة زرقاء على سيارته (يخاف من وضعها) يرفض وصول الجنرال إلى الرئاسة لإعتبارات هو يجهلها أُمليت عليه، وفريق آخر يدّعي المنافسة على عدد الأصوات لأنّه يتسلّح بتمثيل نيابي يفتقد "للشعبية" متناسياً أن لنهج الجنرال "حقيقة قومية ووطنية" تتخطّى المجلس النيابي إلى إمتداد المشرق العربي لا يمكن التغاضي والتعامي عنها؛ وما الإصطفاف الحالي لأفرقاء كانت بالماضي أخصاما ووقوفها مع الصفّ الداعم لوصول العماد إلى رئاسة الجمهورية إلاّ دليلاً على أن فئات سياسية عدّة باتت مقتنعة بأن المشروع العوني الإستراتيجي تجاه "جمهورية" لبنان فيه من "الحكمة" ما يكفي لضمان وجود دولة سيّدة، حرّة، مستقلة.

هذا الكتاب الذي وثـّّق فيه الأستاذ "فايز سودان" (رئيس منظمة الدولة العالمية للمغتربين العرب) رؤية وفلسفة ومشروع العماد تستوقفك فيه محطات عدّة، أبرزها الفصل المخصّص "لتموقع المسيحيين العرب بقيادة التيار الوطني الحرّ في خضمّ الصراع الدائر بين الإسلام والغرب"، وفصل "الجنرال عون ومشروع إخراج لبنان والأمة العربية من صراع التناقضات"، أذكرها بالإذن من العماد والكاتب بمقالة موجّهة إلى ذاك المعارض قبل الموالي ولا يغيب عني عند كتابة هذه السطور، كلام سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير عند إستذكاره قول أبو فضل العباس "خير خواتيم الأمور-الوفاء".

والوفاء هنا هو لذاك الرجل الذي نأى بمسيحيي لبنان ومعهم سائر مسيحيي الأقطار العربية عن ساحات المراهنة على الغرب وميادين التعرض للإقتتال مع المسلمين، ولو أنه ثابت أنه لم يحيّدهم أبداً في الصراعات المصيرية دفاعاً عن الحقوق القومية للأمّة العربية.

وعليه، الإنعطافة المسيحية البارزة على طريق المقاومة العربية أتت من فريق مسيحي كاسح هو التيار الوطني الحرّ لتؤسس إنعطافة تاريخية بارزة على طريق المقاومة العربية، وترتيب الوجود المسيحي إلى جانب الوجود الإسلامي في صراع المصير ضدّ التمدّد والغزو الصهيوني-الغربي فأتت ورقة التفاهم مع حزب الله، مع هذه المقاومة الإسلامية التي تكتب تاريخ النضال القومي العربي في محاربة ومواجهة الغرب الإستعماري الصهيوني بالحبر والدمّ؛ ومن وقف هذه الوقفة التاريخية الساندة للمقاومة في خضم التواطؤ الغربي والعربي؛ أسّس حركة مسيحية عربية مقاومة شكلت ضربة في خاصرة الصهيونية.

أذكر هذا الكتاب وهذه الومضات في هذا التوقيت ليأخذ منها من يتنكّر لأهمية دور الجنرال في رئاسة الجمهورية ومضة ضمير؛ ومن يشكّك في أهمية أولوية وصول الجنرال إلى سدّة الرئاسة لدى حزب الله، صحوة تفكير.

فهو؛ يا أولي الشعارات الرافضة لرئيس جمهورية من 8 آذار عموما وللجنرال خصوصاً بذريعة إعتباره حليفاً للمشروع الإيراني؛ لفي صميم القومية اللبنانية العربية وفي صلب ترسيخ الوحدة اللبنانية المسيحية-الإسلامية بشقيها الشيعي والسني.

فالجنرال عون ومشروعه إخراج لبنان والأمة العربية من صراع التناقضات،

أتى نموذجاً عن كيفية تلاحم الطوائف وتفاهمها على العناوين الوطنية إذ يُدرك تماماً أنّ ما يُدبّر للشرق الأوسط من خرائط جديدة يطال لبنان في صميم كيانه وبهذا الجسر الذي مدّه الجنرال عون مع المقاومة المتمثلة بحزب الله كسرَ الجليد الطائفي وحمى الداخل من الفتن الطائفية المذهبية التي كانت مرسومة بخطوط تفصيلية؛ ولو تجرأت القوى المسيحية الأخرى في لبنان على حذو حذوه آنذاك لكانت الضربة الموجهة إلى القوى الصهيونية وحلفائها من قوى تكفيرية إرهابية تدميرية أقوى، ولسقط كلّياً مشروع الفتنة الداخلية الذي ما زال يتحضر للبنان، ولكنّا اليوم أمام جمهورية بكامل مقوماتها.

مسيرة إستراتيجية العماد عون موثـّقة في الذاكرة ووثائق عدّة؛ وعلى الجيل الغافل عنها والآتي أن يعي أنّ "معطّل" رئاسة الجمهورية اليوم في هذه المرحلة الخطيرة هو دعاة الحرب على هذه الوحدة الوطنية القومية التي ما زالت تشكّل منذ عشر سنوات حربة موجعة يحاولون إقتلاعها وهي تزداد غرزاً.

أمّا الوفاء للجنرال ميشال عون الذي يُبادل بالوفاء للسيّد حسن نصرالله اليوم عقيدة ترسّخت بالوفاء "للفكر العوني" كما "الوفاء للمقاومة" ولو تبدّلت الوجوه.

مرّت سنوات و ستمرّ أخرى والتاريخ يُحاسب.