أشار راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران ​جورج بو جوده​ في عظة ألقاها خلال ترأسه قداسا احتفاليا، في كنيسة مار مارون في مدينة طرابلس لمناسبة عيد القديس مارون إلى أنّ "حبّة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة أما إذا ماتت فإنها تأتي بثمار كثيرة" فكلمات المسيح هذه التي تبدو في ظاهرها متناقضة مع المنطق البشري هي الحقيقة في الذات لأنّ هذا الذي يحصل عملياً فالزارع الذي يرمي البذار في الأرض، لو لم يكن متيقّناً بأنّه سوف يجني منها غلّة كبيرة، لما تخلّى عنها ولما رماها ولحافظ عليها في بيته لكنّه عارف بأنّ في موتها وفنائها حياة لمئات الحبّات الأُخرى، التي تأتي نتيجة لموت تلك التي طمرها في الأرض. روحانيّة التطويبات تستند على هذا المنطق بالذات، فالمسيح جاء كي يعيد إلينا السعادة الحقيقيّة التي فقدناها بالخطيئة، وكي يعيدنا إلى الملكوت. والتطويبة الأولى تختصر هذه الروحانيّة إذ تقول: "طوبى للمساكين بالروح، فإنّ لهم ملكوت السماوات"

ولفت إلى أنّ "التضامن والتفاعل والحوار بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني هي التي ساهمت في نشوء لبنان، الذي سعى إليه البطريرك الماروني وهو الذي ما زال البطريرك والكنيسة الماورنيّة يعملون من أجله اليوم، وهذا ما يميّزه عن غيره من البلدان المجاورة التي كانت ولا تزال ذات لون واحد تتسلّم الحكم فيها طائفة واحدة بالرغم من وجود طوائف أخرى من السكان الذين هم في الواقع من السكان الأصليين للبلاد. وهذه الميزة التي ميّزت لبنان هي التي دفعت البابا يوحنا بولس الثاني إلى القول عنه إنّه رسالة للشرق والغرب وللعالم كلّه، وليس مجرّد دولة بالمعنى التقليدي للكلمة فهذه الصيغة التي ميّزت لبنان هي في حالة خطر اليوم بسبب الخلافات والصراعات السياسيّة المتحكّمة فيه منذ سنوات"، مشيراً إلى أن "المسؤولين السياسيّين عندنا منقسمون ومتعادون ولم يعودوا يعرفون للحوار سبيلاً، فكل فريق منهم متمترس في مواقعه يفرض الشروط على الفريق الآخر الذي يبادله شروطاً أخرى والجميع يدّعون بأنهم يعملون لمصلحة البلاد بينما هم في الواقع يشرّعون ويعملون، عن قصد أو عن غير قصد، على الموت السريع لهذه البلاد التي أصبحت بلا رأس منذ حوالي السنتين، وأصبحت أعضاؤها مشرذمة مشتّتة، كل فئة منها تحتكر قسماً من السلطة، أتشريعيّة كانت أم تنفيذيّة. وقد تكون نتيجة تلك المواقف المتحجّرة والمتصلّبة غرغرينا تضرب الجسم اللبناني فتشرذمه وتقسّمه. وهذا ما لا يريده الشعب، وما يُطلَب من المسؤولين عنه أن يتحاشوه، فيا ليتهم جميعاً يسمعون كلمة المسيح".

وأشار إلى أن "هذا ما نصلي من أجله اليوم طالبين من القديس مارون، أن يتشفّع بأبنائه لدى الرّب كي يعودوا إلى بعضهم البعض، فيُصحِّحوا علاقاتهم ويتخلّوا عن السعي إلى مصالحهم الشخصيّة ويعملوا في سبيل مصلحة البلاد. وأن يتشفّع كذلك بكل أبناء لبنان، مسيحيّين ومسلمين، الذين تميّزوا عبر الأجيال بعيشهم المشترك، كي يعودوا إلى أصالتهم وإلى بعضهم البعض، فيعيدون بناء البلاد على الأسس الصالحة والسليمة، وتعود الحياة فتحلو فيها ويعود الشعار الذي أُطلق بعد أحداث القرن التاسع عشر الأليمة فيتجدّد ويعود الجميع يقولون: "هنيئاً لمن له مرقد عنزة في لبنان".