في ظل الأوضاع الراهنة على مستوى المنطقة، طرحت أسباب عدّة لتفسير التحوّل في السياسة ​الخارجية السعودية​، بحيث باتت القوة عنصراً رئيسياً فيها، بعد أن كانت تعتمد، بشكل شبه كلي، على الموقع الذي تتمتع به في العالمين العربي والإسلامي، إنطلاقاً من مكانتها المالية والمعنوية، المدعومة بالتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، في وقت كانت الدول الغربية تفرض حصاراً مطبقاً على الجمهورية الإسلامية في ​إيران​، بسبب الخلافات حول ملفها النووي.

في هذا السياق، يمكن القول أن الحرب في اليمن كانت نقطة الإنطلاق في السياسة الجديدة، مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدّة الحكم، في ظل أوضاع ملتهبة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، تلاها الإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي، ومؤخراً الحديث عن إحتمال التدخل عسكرياً في سوريا، تحت عنوان محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وسط تحالف إستراتيجي معلن مع ​الحكومة التركية​ من جهة، وتفاهم قوي مع نظيرتها المصرية بعد دعم إنقلاب الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​ على سلفه، في عهد الملك الراحل ​عبد الله بن عبد العزيز​، ولكن ما هي الأسباب التي دفعت الرياض إلى أخذ هذا المنحى الجديد؟

بالنسبة إلى مصادر مراقبة لمسار التطورات الإقليمية، تبدو السعودية مضطرة إلى سلوك التوجهات الجديدة في سياساتها الخارجية، للحفاظ على مكانتها السابقة، خصوصاً بعد أن لمست التطور الحاصل على مستوى النفوذ الإيراني، الذي بات يشكّل رقماً صعباً في ​لبنان​ وسوريا و​العراق​ واليمن، بالإضافة إلى بعض الدول الخليجية التي تعاني من أوضاعها الداخلية، وهي لم تكن قادرة على الإكتفاء بالدعم المالي والمعنوي في وقت تأخذ المعركة شكل المواجهة العسكرية.

وتلفت هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن توقيع الإتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران، ضاعف من التعقيدات التي تواجهها الرياض، بعد أن أيقنت خروج منافستها الأولى على الصعيد الإقليمي من الحصار أقوى من السابق، مدعومة بالإعتراف الدولي بدورها الخارجي من أبرز حلفائها، بالإضافة إلى مسارعتهم إلى توقيع الإتفاقيات الإقتصادية والتجارية معها، بالتزامن مع إمدادها بالأرصدة المالية التي كانت مصادرة منذ سنوات طويلة، ما دفعها إلى التحرك سريعاً إنطلاقاً من الساحة اليمنية، على إعتبار أنها بمثابة الحديقة الخلفية لنفوذها في الخليج العربي.

وتشير المصادر نفسها إلى أن المملكة لم تجد أمامها إلا حمل لواء العروبة والإسلام، لحشد الطاقات خلفها، مستفيدة من الموقف التركي على هذا الصعيد، الراغب بالحفاظ على دوره في المنطقة أيضاً، بعد أن بات مهدداً في حال خسارة رهاناته على الساحة السورية، نظراً إلى أن الإرتدادات ستكون كبيرة جداً، لا سيما بعد تنامي الحضور والنفوذ الكردي في أكثر من دولة مجاورة، أي في سوريا والعراق، ما يعني أن كلا من أنقرة والرياض يخوضان معركة أمن قومي بالتحديد، بعيداً عن الأهداف والتوجهات الأخرى، وهنا يمكن القول أن الحصار يدفعهما إلى المزيد من التصعيد، الذي قد يؤدي إلى اللعب بكامل أوراق قوتهما.

ما تقدّم يقود إلى التأكيد أنّ السعودية وتركيا تعتبران أن المواجهة في الساحات الملتهبة واحدة، من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن، والإطار العملي هو ما بات يعبر عنه بـ"التحالف السني"، كون قدرة التحرك عبره أوسع، تحت عنوان مكافحة النفوذين الإيراني والروسي، وهما يسعيان إلى الإستفادة على هذا الصعيد من الخطاب الديني، من خلال تصوير المعركة بأنها "حرب على العقيدة".

وفي حين يبدو التوتر في العلاقة مع طهران عاملاً مساعداً لتأجيج الصراع بين الجانبين، تعتبر المصادر المراقبة أن الرياض تواجه تحديات تجعل من تراجعها أمراً صعباً، لا بل تشكل عوامل ضغط على نظامها للحصول على مكاسب معنوية وعملية سريعة، أبرزها الصراعات الداخلية على الحكم، بالإضافة إلى تنامي حضور الجماعات التي تقدم نفسها بديلاً قادراً على المواجهة، ما يعني إمكانية أن تؤدي أي خسارة أو إنتكاسة إلى تمددها إلى الداخل السعودي، ناهيك عن رغبة الرجل الشخصية الأقوى فيها، ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، في إثبات القدرة على قيادة البلاد في المستقبل. ولكن هل تقدم الرياض على التحرك من دون غطاء أميركي؟

حتى الساعة، لا شيء يوحي بهذا الأمر، لكن المملكة تجد إلى جانبها حليفاً إقليمياً قوياً، أي الحكومة التركية الراغبة في إستعادة زمام المبادرة، وفي الوقت عينه هي قادرة على التأثير على بعض الدول العربية والإسلامية، التي دخلت معها في الحرب اليمنية، لكن في سوريا المخاطر أكبر لأسباب عدة، أولها الموقف الروسي الحاسم، بالإضافة إلى إمتلاك الجيش السوري وحلفائه أوراق قوة متعددة في الميدان، فهل تقدم على المراهنة متوقعة عدم تخلي واشنطن عنها في نهاية المطاف؟

في المحصلة، لا تزال الصورة غير واضحة راهنًا، لكن من الضروري التنبه إلى أن الخيارات تضيق أمام الرياض وأنقرة، وبالتالي من الممكن أن يقدما على أي خطوة لحفظ ماء الوجه، حتى ولو كانت نتائجها غير مضمونة، وفقاً لمعادلة عدم وجود ما يخسرانه في حال إستمر الواقع على ما هو عليه اليوم.