منذ بداية الأزمة السورية، شكلت ​مدينة حلب​ وأريافها نقطة مفصلية، في المسرحين العسكري والسياسي، نظراً إلى الأهمية الكبيرة التي تكتسبها على مختلف المستويات، بالإضافة إلى كونها تمتد على مساحة واسعة من الحدود السورية التركية المشتركة، الأمر الذي حولها إلى نقطة مركزية في توجهات أنقرة الخارجية، التي كانت لاعباً أساسياً في مسار الحرب، سواء عبر دعم الجماعات المعارضة المسلحة، أو عبر إحتضان الشخصيات السياسية التي وجدت في اسطنبول الحضن الأوسع لها.

على مدى السنوات الخمس الماضية، قيل الكثير عن الدور التركي في الحرب السورية، وتم الحديث في العديد من المناسبات عن تحولات لعبت فيها الأجهزة المخابراتية التركية دوراً أساسياً، لكن كما كان الواقع في مناطق ريف اللاذقية، نجح التدخل الروسي المباشر على خط سير المعارك في قلب موازين القوى، لا سيما بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل السلطات التركية، واليوم بعد التقدم النوعي الذي تحرزه القوات السورية في أرياف حلب، عادت أنقرة إلى إحياء فكرة إنشاء المنطقة الآمنة في الشمال، عبر الترويج لعملية برية عسكرية من الممكن القيام بها، تحت عنوان محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وبغطاء من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.

بعيداً عن الغوض في كل التفاصيل السياسية الحالية، يمكن القول أن هناك معركتين كانتا حاسمتين على صعيد المواجهات في حلب وأريافها، منذ دخول موسكو في الحرب عبر إرسال قواتها الجوية، الأولى تمثلت في فك الحصار عن ​مطار كويرس العسكري​، أما الثانية فهي فك الحصار عن بلدتي ​نبل والزهراء​.

وفي نتيجة هاتين المعركتين الحاسمتين، يمكن القول أن أنقرة لم تعد تجد أمامها أي فرصة لتعوض خسارات الجماعات المدعومة من قبلها، إلا عبر التدخل المباشر، الذي سيكون له تداعيات في حال وقوعه، خصوصاً إذا حصل من دون التنسيق الحكومة الروسية، التي تعتبر أن الحكومة التركية هي الداعم الأول للإرهاب في المنطقة.

فك الحصار عن مطار كويرس

في هذه المعركة، كانت نقطة الإنطلاق نحو تحرير المطار العسكري، الذي تناوبت على حصاره العديد من الجماعات المسلحة كان آخرها تنظيم "داعش"، من مدينة السفيرة مروراً بعدد من القرى السورية، وصولاً إلى قرية رسم العبود شرق المطار.

وكان الجيش السوري، على مدى ثلاثة شهور، قد حقق تقدماً وسيطر على عدد من القرى المحيطة بالمطار، من بينها تل السبعين وجديدة السبعين وتل النعام وبقيشة والناصرية وحوجينة والجبول.

في بداية شهر تشرين الثاني، من العام المنصرم، كانت وحدات الجيش قد أصبحت على مسافة قريبة جداً من كويرس، وبدأت عملية عسكرية للسيطرة على بلدة الشيخ أحمد التي تبعد كيلومترين عنه، ما دفع بإرهابيي "داعش" إلى الإنسحاب شبه الجماعي من قريتي أم أركيلة وتل أحمر اللتين دخلهما الجيش من دون وقوع معارك عنيفة.

بعد فك الحصار عن المطار، لم يوقف الجيش السوري عملياته العسكرية، بل إستمر في التقدم نحو قرية رسم العبد في جنوبه، وبعدها على قرية رسم العبود في شماله الشرقي، بهدف تأمين محيطه.

فك الحصار عن نبل والزهراء

هذه المعركة التي كانت لاعباً رئيسياً في إسقاط مفاوضات مؤتمر جنيف الثالث، نتيجة رفض وفد المعارضة الإنطلاق بها قبل وقف إطلاق النار، إنطلقت من مواقع تمركز قوات الجيش السوري في باشكوي، تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف، حيث تقدمت قوات الجيش وسيطرت بشكل متتال على كل من دوير الزيتون وتلجبين، لتتابع شق طريقها نحو نبل والزهراء.

وبالتزامن مع هذا التقدم، شقت قوات الدفاع الأهلية من نبل والزهراء، التي شكلت إبان الحصار، طريقها نحو قرية معرستة الخان، التي شكلت نقطة التقاء القوتين، ليتم الإعلان عن فك الحصار عن الأهالي المحاصرين منذ نحو أربعة أعوام.

بعد ذلك، عمل الجيش على تأمين محيط البلدتين عبر السيطرة على قريتي ماير ورتيان ومزارع تشرف على بلدة دير جمال، كما تقدم باتجاه قرية بيانون وبلدة تل رفعت أكبر معقل للمسلحين في ​ريف حلب​ الشمالي.

ماذا بعد؟

اليوم، تطرح بعض علامات الإستفهام حول مستقبل سير المعارك في هذه المنطقة الإستراتيجية، خصوصاً بعد أن أثبتت القوات السورية الرسمية قدرتها على إستعادة زمام المبادرة، حيث من الواضح أنها تريد إستمرار المعارك لإغلاق الحدود مع تركيا التي تشكل المعبر الرئيس نحو إرسال الإمدادات إلى الجماعات المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى ذلك هي ستسعى إلى حصار المجموعات القريبة من مدينة حلب، لدفعها إلى الإستسلام أو الهروب نحو مناطق أخرى، لكن الأكيد أن هناك المزيد من المواجهات المنتظرة على هذه الجبهة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بردة فعل القوى المعارضة والدول الداعمة لها، فهل تسلم بالأمر الواقع الجديد أم تقدم على تصعيد غير مسبوق في المستقبل القريب؟