ليس من باب الصدفة أبداً أن يطلق رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ العنان لمخيلته كي تساعد حبل أفكاره على مدّه بأكبر عدد من التعليقات الساخرة من الإستحقاق الرئاسي. فبعد تغريدته التي ترجح أن يأتي الرئيس الجديد على سجادة إيرانية، تارةً يظهر علاء الدين وبساطه على صفحة الزعيم الدرزي عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وتارةً أخرى ينشر صوراً للأخوين شحاده، وبين الحين والآخر يفتح من خارج هذا السياق، ملف هدم مبنى أثري في بيروت متهماً البلدية بالجريمة التراثية.

"إنها القناعة التي تكونت لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي"، يقول المقربون منه، "بأن إنتخابات الرئاسة الأولى لم تنضج بعد وتحتاج الى مزيد من المشاورات قبل أن يأتي الضوء الأخضر، لقطافها"، كما قال المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الحاج ​حسين الخليل​ من الرابية، وهذا ما دفع بوليد بيك الى القول في إحدى تغريداته عن هوية الرئيس المقبل، "علاء الدين هل يمكنك أن تسأل الحاج وفيق؟" في إشارة الى مسؤول وحدة الأمن والإرتباط في "حزب الله" الحاج وفيق صفا.

حال رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا تختلف كثيراً عن حال صديقه جنبلاط وقناعته، حتى لو أن ساكن قصر عين التينة لم يبدأ نشاطه بعد عبر العالم الإفتراضي، ليعتمده للتعبير عن آرائه اليومية وتمرير الرسائل التي يريد. وفي هذا السياق، يرى العارفون بكواليس عين التينة أنّ "إعادة فتح بري ملف إصدار مراسيم النفط وإعطائها صفة الإستعجال الذي لا يحمل المماطلة خلال لقاء الأربعاء النيابي الأخير، ليس إلا تعبئة للوقت في مرحلة فهم رئيس المجلس من خلال المعطيات التي تكونت لديه أن الحديث عن الإستحقاق الرئاسي لم يعد ينفع بعد المشهديّة التي تكوّنت نتيجة لقاء معراب بين رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والكلمة الأخيرة للسيد نصرالله".

وبين تغريدات جنبلاط الساخرة وإيحاء بري بأن ملف النفط هو الأكثر إستعجالاً، إكتمل مشهد تأجيل الحديث عن الإستحقاق الرئاسي الى وقت لاحق تحدّده التطورات والإتصالات، عندما إستفاقت الحكومة في جلسة أول من أمس على مشكلة أن لبنان لا يمكن أن يستمر من دون موازنة، وكأن عدم إقرار موازنة الدولة منذ سنوات وسنوات، هو من الأمور التي طرأت خلال الساعات القليلة الماضية، كي تنتهي جلسة الحكومة، الى خلاصة ضرورة إقرار ما يجب اقراره أساسًا. وعلى هذا الصعيد، يقول المطلعون إن "إثارة ملف ​الموازنة​ في هذا الظرف بالذات، وما يدور حوله من حديث عن الصرف والإيرادات والضرائب وتمويل الجيش، ليس إلا لتعبئة الوقت أيضًا وصرف النظر عن الإستحقاق الرئاسي، كيف لا والأفرقاء المعنيون يعرفون جيداً أن إقرار الموازنة ليس بالأمر السهل لا بل من الأمور شبه المستحيلة خصوصاً أن ما عطّل إقرارها في السنوات الماضية، هو رفض تكتل "التغيير والإصلاح" طلب رئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة تصفير العدّادات، وغض النظر عن 11 مليار دولار صُرِفَت بين عامي 2006 و2009، من خارج القاعدة الإثني عشرية، كل ذلك في الفترة التي كان مجلس النواب فيها معطلاً، ومن دون الحصول على موافقة ديوان المحاسبة، ومن دون تقديم الاوراق الثبوتية ومن دون وضع الأموال في الحساب رقم 36 في مصرف لبنان، في مخالفة مالية من العيار الثقيل، عطّلت إقرار الموازنات اللاحقة حتى اليوم، وزادت قيمة الدين العام بشكلٍ مضطرد. وما كان مرفوضاً بالأمس من قبل "التغيير والإصلاح"، لا يزال مرفوضاً اليوم، لذلك الحديث عن الموازنة في غير محله وتوقيته.

إذاً كل فريق يغني على ليلاه، وكل فريق يفتح الملف الذي يريد أو يحلو له، كل ذلك لتعبئة الوقت، وكي يحين يوم القطاف الرئاسي.