منذ العام 2005، بات لبنان يذكر تاريخ ​14 شباط​ على انه ذكرى اغتيال رئيس الحكومة السابق ​رفيق الحريري​ ورفاقه، وانتقص بالتالي من مصادفة هذا التاريخ مع ذكرى القديس فالنتينو (عيد العشاق كما يحلو للبعض تسميته)، فتصدر الحكومة مذكرة بالاقفال الرسمي والاداري، ويتحضر اعضاء قوى "14 آذار" لاحتفال كان شعبياً وتحول مركزياً لالقاء الكلمات.

ولكن، يبدو ان "كيوبيد"(1)بات مطلوباً اليوم قبيل اقامة الاحتفال بالذكرى في البيال، فالخلافات عميقة رغم كل ما يشاع عن انها مجرد "غيمة صيف" عابرة، ولم يكن تصريح نائب رئيس المجلس النيابي ​فريد مكاري​ الاخير واتهامه رئيس "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​ بأنه "انهى قوى 14 آذار"، سوى دليل واضح على مدى عمق الخلاف القائم.

غالباً ما يعطي الإعلام اهمية للحدث قبل ايام من موعده، ويسلّط الضوء على ما سيقوله رئيس "تيار المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ محاولا التوقّع والتحليل وتمرير بعض الرسائل. لكن المشكلة حاليًا تبرز في الحضور، فالقوات "سرّبت" انها لن تحضر على مستوى رئيسها وان تمثيلها سيكون مقتصراً على عدد من اعضائها وبعض المؤيدين. ليس خافياً أنّ أبرز مكوّنين لقوى "14 آذار" هما "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية"، مع الاحترام لبقية المكونات من مستقلين واحزاب، لكنها في الواقع لا تمثل الثقل الشعبي الكافي. وفي غياب الممثل الشيعي الوازن في هذه القوى، فإنها قائمة على عمودين هما "المستقبل" و"القوات"، واي خلل في هذا التوافق سيؤدي، كما قال مكاري، الى انهاء هذه القوى عملياً.

في 14 شباط 2016، لا يحتاج الامر الى تحليل كبير والى تنجيم عميق لمعرفة ان الحريري سيتطرق الى وحدة وصلابة "14 آذار"، وان الخلافات البسيطة لن تمنع هذه القوى من البقاء حيّة، لكن الواقع يختلف عن ذلك. ويمكن القول ان الخلاف القائم داخل قوى "​8 آذار​" ايضاً، هو الوحيد الذي يبقي على قوى "14 آذار" تتنفس. ويعلم الحريري جيداً ان استبدال الغطاء المسيحي الذي وفّرته "القوات اللبنانية" بالذي يوفّره رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، ليس كافياً رغم ما يمثله الزعيم الشمالي من حيثية، كما ان اعتماده على "حنكة" كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط ليس في محلّه، لأنّ الإثنين لن يجدا اي احراج في "فض الشراكة" على مصالح سياسية مشتركة عند اللزوم، وقد اظهرا ذلك في اكثر من مناسبة.

من هنا، لا بد للحريري ان يعود الى سياسة الدبلوماسية مع "القوات"، ويتخلّى عن اسلوب التحدّي، وعلى "القوات" في المقابل ان تبقي على قوى "14 آذار" لأنّ مصلحتها السياسية تكمن في هذا المجال، لان البديل سيكون الوقوف في خانة قوى "8 آذار"، وهو ما لن تستطيع القيام به. اما الحلّ الامثل فيكون بقيام جبهة مسيحيّة يعمد الى توسيعها لاحقاً لتصبح وطنيّة، وتضم ابرز الوجوه السياسية من مختلف الطوائف، ولكنه حلم بعيد المنال ودونه صعوبات جمّة ليس أقلها الاتّفاق على خطٍّ سياسيٍّ واضح، وعلى برنامج واضح في السياسة والأمن والاقتصاد والمال، دون إغفال حقيقة أنّ ملفّ النفط يلقي بثقله على اجواء السياسيين ويمنعهم من الاتفاق لأنّ الخلاف على العائدات والوجهة التي يجب ان تسلكها بدأ منذ ان تم التفكير في هذا الملف قبل سنوات، علما أنّ الحماس كان في اوجه عندما تمّ اقرار مرسوم هيئة تنظيم التنقيب عن النفط في لبنان.

لا شك ان على "كيوبيد" ان يتحرّك على خطّي "المستقبل-القوات" لتستمر قوى "14 آذار"، لأنّ البديل هو تغيّر الصورة السياسية في لبنان واضمحلال القوى وتشتّتها، ليكون الحل بعدها قيام مكوّنات جديدة تحت أسماء جديدة لمواكبة النتائج التي ستخرج بها المنطقة، والتي يتوقّع الكثيرون ألاّ تتأخر اكثر من هذا العام.

(1)"كيوبيد" منبثق من الاسطورة الرومانية، وهو وفقها ابن الاله فينوس ويتخذ شكل طفل مع اجنحة، وهو يطلق اسهمه على الناس فيجعلهم يقعون في الحب.