تشي تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أي درجة وصلها مجنون تركيا، بسبب قرب انتهاء مشروعه في سورية وقد نفد صبره، وهو لذلك يهرب في اتجاهين متعاكسين: الأول داخلي حيث أفرغ حقده بمجزرة شنيعة ضد الكرد في مدينة جزرة جنوب شرق أدّت إلى استشهاد 60 شخصاً بعدما كان قد هدّد وتوعّد بـ»هدم الدنيا فوق رؤوس الكرد». والثاني خارجي حيث بدأ يطلق البالونات باتجاه سورية وكأنه في كرنفال «ريو دي جانيرو»، وهو مدرك أن دول النفوذ في العالم بدأت تلعب بالورقة التركية كغيرها من أوراق توازنات القوى في المنطقة لصياغة مشهد إقليمي جديد يكون إسقاطه ما سيؤول إليه الوضع في النهاية.

ذكّرت مجزرة «جزرة» بالوجه الحقيقي لإرهاب الدولة التركية. فنزعت «الماسك» عن نفاق أردوغان الذي تلطخت دماء نظامه بالدماء الكردية من جديد. كما سلّطت هذه المذبحة الضوء على نفاق «المجتمع الدولي» الذي يساعد بصمته على ذبح الكرد. وقد صدقت صحيفة «جمهورييت» التركية المعارضة التي نشرت الثلاثاء الماضي، كاريكاتيراً تصور فيه الرئيس التركي، بقائد السفينة التي تسبح في بحر من الدماء لتحقيق مصالح شخصية.

إذ إن إخفاق أردوغان في تحقيق أحلامه بأن يصبح رئيساً بصلاحيات خاصة، وخسارة الصوت الكردي في الانتخابات، وخسارة إرهابييه في سورية، أدّى به إلى سلسلة من التصرفات التي تعيد إلى الأذهان سلوك هتلر في الحرب العالمية الثانية، وهي تصرفات مَن لا يبالي بإراقة الدماء أو إغراق تركيا في دوامة جديدة من عدم الاستقرار لإرضاء نرجسيته الفائقة وجنون العظمة اللذين يصوّران له أنه خليفة المسلمين وخاقان ملك البر والبحر.. وكأن هذا الجنون تمّ الإعداد له منذ سنوات، من بناء قصره الأبيض واقتناء الطائرات الرئاسية، فدفع بالسياسة التركية إلى صدامات دون كيشوتية أظهرت حقيقة هذا البهلوان الذي انهارت أكاذيبه ومحاولات خداعه… وإخفاء الحقائق.

إذاً، بسقوط غصن الزيتون المترهّل، دخلت تركيا حرباً عشوائيّة ضدّ الكرد لإضعاف «حزب العمال الكردستاني»، بقصد كسر شوكته في شمال سورية ضدّ التنظيمات التكفيرية بوجه عام، مستفيدة من علاقتها الجيدة مع مسعود برزاني، بهدف إبقاء «كردستان العراق» في حالتها الهجينة وفي «منزلة بين المنزلتين» الموجودة فيها حالياً.

أردوغان ليس هتلر؟ هذا أكيد، كما أنّ تركيا الأردوغانية لن تكون ألمانيا النازية، ولكنّ تقاطعات عديدة وارتسامات مشتركة بين التجربتين تصل حد المحايثة التاريخية.

على هدي ما تقدّم من تقاطع بين الهتلرية والأردوغانية تتبيّن ارتسامات أخرى بين الطرفين، لعل من بينها التقوقع على الذات دوغمائيّاً، ورفض الآخر إلغاء للتنوّع الثقافي والأنثروبولوجي الموجود.

المحايثة الأردوغانية للهتلريّة تجسّمت مؤخراً في تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بقدرة أنقرة بمعاضدة مجموعة من قوى التحالف على احتلال روسيا وإسقاط موسكو خلال أيام! وهو «الحلم الوهم» نفسه الذي روّجه هتلر لجيشه وشعبه والمتحالفين معه إبان الحرب العالمية الثانية. فانقلب السحر على الساحر.