ديبلوماسي خليجي تحدث في مناسبة إجتماعية عن لبنان الذي «أحببناه غيابياً» مستأذناً في أن يضيف: وليتني لم أعرفه عن قرب! فلقد فجعتني الحقيقة! وأضاف متسائلاً: هل هذا هو لبنان الذي عشنا طفولتنا وشبابنا في سحر ما يصلنا عنه من أخبار وروايات مضمونها أجمل من أن يكون حقيقة؟!

كان الديبلوماسي في زيارة خاصة لبضعة أيام في لبنان.

طال الحديث كثيراً وتشعب، وتناول البلدين ليس من باب حب المقارنة، إنما من باب قدرة بلدان عربية (كانت بعيدة جداً عن لبنان) على تخطيه في سباق العصر.

الديبلوماسي ينتمي الى بلد خليجي مشهود له بالتوسط في القضايا الحساسة، وبالذات القضايا الإقليمية. ولقد كانت له أدوار وفاقية في السنوات الأخيرة بين بلد إقليمي ومجموعة دولية في قضية كانت تشكل أزمة عالمية موصوفة... وهو يسعى اليوم بين الدولة الإقليمية ذاتها ودولة عربية بارزة يقوم بينهما خلاف كبير.

كان هذا البلد يعيش خارج العصر عندما نال لبنان استقلاله... وقد قيض له حاكم رفعه بسرعة الى افاق عالية فحقق نمواً كبيراً، وأنتج حداثة على قاعدة الأصالة، وتكفي نظرة الى شوارع مدنه حتى تفرض النطافة ذاتها، وأقيم فيه حكم القانون على الجميع من دون أي تمييز. وأدى ذلك كله الى أمن وطمأنينة، وإلى إكتساب إحترام القريب والبعيد... علماً أنه يميز نفسه عن المجموعة الخليجية التي ينتمي اليها، فهو من صلبها ولكنه يرفض الذوبان فيها.

تلك المزايا معروفة في هذا البلد من الجميع، لذلك لم يكن مستغرباً أن يفاجأ الديبلوماسي المنتمي إليه بأنّ الوضع في لبنان شكّل له صدمة سلبية كبيرة ليس فقط لأن الأوضاع اللبنانية تختلف كلياً عن الأوضاع عندهم، بل خصوصاً لأن الصورة الرائعة في الذهن والذاكرة عن لبنان أضحت ناصلة الألوان. يسأل مذهولاً: هل يعقل أنكم خاضعون لحصار النفايات؟

وهل يعقل أنكم في فراغ رئاسي؟

وهل يعقل ما تتبادلونه من تهم؟ (ثم يصحح: ما يتبادله القياديون والمسؤولون عندكم من تهم؟).

وهل يعقل أن حديث السمسرات والصفقات على عينك يا تاجر؟

وهل يعقل أن صحفكم التي تغنينا بأسمائها منذ طفولتنا عاجزة عن إيفاد مندوب الى ساحات الأحداث الساخنة؟ ثم أين سطوة تلك الصحف؟ وأين دور الإعلام اللبناني؟ وأين الشخصيات التي كنّا نقتدي بسيرتها ونتعلم منها من دون أن نراها؟!. (وأعطى بضعة أسماء من كبارنا الراحلين في السياسة والديبلوماسية والأدب...).

موجعاً كان كلام الرجل، وحقيقياً.

والحقيقة تجرح.

ونخشى أن يصح فينا قول شاعر العرب الأكبر أبي الطيب المتنبي:

«مَن يَهُنْ يسهلِ الهوانُ عليهِ