بدأت محاولة جديدة للتوصل إلى اتفاق للمصالحة بين حركتي فتح وحماس يشكل أساسا لإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تشمل حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الفصائل غير المنضوية حالياً في اطار المنظمة.

غير أن اللقاءات التي تعقد في الدوحة بين قيادات فتح وحماس، ليست الأولى، فقد سبقها لقاءات عديدة لم تحقق الغاية المرجوة منها لأسباب متعددة منها ما له علاقة بالخلاف حول الرؤية السياسية التي يجب أن يرتكز إليها مشروع إعادة بناء منظمة التحرير، ومنها ما هو مرتبط بالعامل الخارجي، وتحديداً كيان العدو الصهيوني الذي عمد سابقاً إلى ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لمنع تنفيذ اتفاق المصالحة، لأن مصلحته تقتضي استمرار واقع الانقسام والتمزق في الساحة الفلسطينية وتوظيفه في خدمة مشروعه الاستيطاني التهويدي الهادف إلى تغيير الواقع على الأرض وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية.

والأسئلة التي تطرح في ضوء ذلك هي:

ما هي الشروط التي يجب توافرها لإنجاز مصالحة وطنية فلسطينية يجري على أساسها إعادة بناء منظمة التحرير لتعود إطاراً جامعا لكل الفصائل الفلسطينية؟.

هل زالت العقبات التي تحول دون تطبيق أي اتفاق مصالحة يتم التوصل إليه؟

أم أن هذه العقبات ما تزال قائمة؟

من المعروف أن الحوار يشمل قضايا عديدة أهمها:

ــ التوافق على استراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال الصهيوني وتشمل البرنامج السياسي ووسائل النضال.

ــ الأسس التي يجب الاستناد إليها لإعادة بناء منظمة التحرير والتي تتضمن الاتفاق على نسب التمثيل لكل فصيل، وكذلك موضوع الميثاق الوطني.

القراءة الأولية تشير إلى أن قيادة السلطة الفلسطينية ليست في وارد التخلي عن أوسلو على الرغم من أنه لم يتبق منه سوى ما يخدم الكيان الصهيوني، وهو التنسيق الأمني مع الاحتلال والذي جدد الالتزام به مؤخراً رئيس السلطة محمود عباس،

وأي اتفاق على تشكيل حكومة وحدة من دون اتفاق على برنامج سياسي واضح المعالم لن يكون مصيره أفضل حالاً من الاتفاقات التي توصل إليها في مكة أو القاهرة.

وما ينطبق على الحكومة يسري أيضا على منظمة التحرير، فلا يمكن إعادة بناء المنظمة والاتفاق على نسب التمثيل في مؤسساتها ما لم يجر الاتفاق على مضمون ميثاقها الوطني الذي جرى إفراغه من مضمونه التحرري انسجاما مع اتفاق أوسلو، وهو ما يتطلب رد الاعتبار للبنود التي جرى إسقاطها بطلب من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي إعادة التأكيد على حق الشعب الفلسطيني بكامل أرضه الفلسطينية، أن كانت تلك التي احتلت سنة 1948 أو التي احتلت سنة 1967، وكذلك حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال لتحرير فلسطين.

لكن على افتراض أن قيادة حركة فتح وافقت على ذلك وتخلت عن مواصلة الالتزام باتفاق أوسلو، فان اتفاق المصالحة سيواجه العقبة الإسرائيلية الأميركية باعتبار أن اتفاق مصالحة من هذا النوع يشكل انقلابا على أوسلو، وبالتالي سوف تسارع واشنطن وتل أبيب إلى ممارسة الضغط على قيادة السلطة الفلسطينية عبر وقف المساعدات المالية التي تقدمها إليها مقابل التزامها بأوسلو، وحجز عائدات الضرائب التي تجبيها الحكومة الإسرائيلية لمصلحة السلطة، وعندها سيكون على قيادة السلطة الاختيار بين واحد من أمرين:

أما الرضوخ لهذه الضغوط، كما جرى في المرات السابقة، اثر توقيع اتفاقات المصالحة.

أو رفض الخضوع للضغوط الإسرائيلية الأميركية وبالتالي تحمل تبعات هذا القرار بالاستعداد لحل السلطة وجعل الاحتلال يتحمل كلفة احتلاله.

انطلاقا مما تقدم يمكن القول أن التوصل إلى اتفاق المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية رهن بالاتفاق على مضمون السياسات وبالتالي مدى استعداد قيادة منظمة التحرير، وفي الطليعة حركة فتح، العودة إلى منطلقاتها الأولى في العام 1965، واستطرادا التخلي عن مواصلة طريق أوسلو العقيم، وفي اللحظة التي يحصل فيها ذلك نستطيع عندها أن نقول بان هناك إمكانية فعلية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتضم كل الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية لتكون الإطار الوطني التحرري لقيادة نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.