أشار عضو كتلة "المستقبل" النائب ​سمير الجسر​ في كلمة له خلال ندوة نظمتها هيئة التثقيف السياسي في منسقية طرابلس في "تيار المستقبل" خاصة عن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، في الذكرى السنوية الحادية عشرة لمقتله، إلى انه "لم يكن قد مرت ثلاثة أيام على رحيل الحريري حين التقيت صدفة مع مجموعات من الأصدقاء في شبه مجلس عزاء، ضم القاضي والمحامي والطبيب والمهندس والتاجر والصناعي ونفر من أهل الفكر والقلم، تظللنا رهبة الموت وعظيم الشهادة وهول الصدمة وفداحة الخسارة وفظاعة الجريمة بما احتوت من حقد كشف عنه قوة الانفجار ودقة التخطيط وبما خلف من فراغ كبير"، لافتاً إلى أنه "لم يكن الانتماء السياسي هو جامعنا بل الذهول الذي أحاط بكل الناس حين شعروا عن حق بأن لبنان هو المستهدف الحقيقي من خلال اغتيال هذا العملاق بما كان يمثل من وطنية ورؤيوية وايمان بالله والوطن والشعب اللبناني، وبما كان يعكس من همة وقدرة على العطاء والبذل سخر لها جاهه وعلاقاته وماله في سبيل وطنه. يومها كنت استعرض في ذهني شريط الحياة الذي عرفت من خلاله الشهيد الكبير بفكره، بمرونته، بصلابته، بقدرته على اجتراح الحلول في أحلك الظروف وأصعبها، باصراره على التفاؤل حين كان يغرق الآخرون في التشاؤم لأجد نفسي اقول مع كل يوم يمر سنفتقد رفيق الحريري أكثر فأكثر وسندرك مع الأيام حجم الخسارة التي أدركتنا والتي المت بالوطن في آن وعبارة أطلقتها عن حرقة لكن بوعي كامل، لا زال بعض الأصدقاء ممن سمعها يذكرني بها عند كل مفترق. واليوم في الذكرى الحادية عشر لاستشهاد الرفيق، أرغب في الإضاءة على بعض الانجازات السياسية التي شكلت علامة فارقة في مسيرته بقدر ما شكلت منعطفا في تاريخ هذا الوطن".

ولفت الجسر إلى أن "الحريري لم يكن انسانا عاديا ولم يكن مجرد رجل قادته الظروف بعامل الوراثة أو عامل الصدفة الى الحكم فالحريري كان رجلا كادحا، يملك حلما كبيرا وعزيمة قوية ودأبا واسعا وايمانا بالله عز وجل. فصقلته تجربة الحياة وعجنته التجربة القومية برومانسيتها ونكساتها، بدءا من الأحلام التي طاولت النجوم الى الواقعية التي فرضتها هزيمة ال67 كل مسيرة حياته قادها باليدين العاريتين وطوعها لحلمه ومشروعه متذكرا في عمق وجدانه أن "ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى"، فيسر الله له ما يسر، وأعطاه المولى بحكمته ما أفاض به من خلاله على الناس، وزاده الله تجربة سخرها لوطنه وحين كان معيار النجاح والثروة لدى بعض الذين أصابوا نجاحا في دول البترودولار مرتبط باخبار البذخ وما أنفقوه على القمار في مونت كارلو واخواتها، كان هم الشهيد رفيق الحريري كيف ينفق على أهله من أبناء وطنه في مجالات الصحة والتعليم والإقالة من العثرة وكان داعما للعمل المقاوم بدون مشاوفة، وكان يسعى للم شمل اللبنانيين واعادة بناء الوطن حين كان معظم الناس يرون ذلك بعيدا وكان رفيق الحريري يراه قريبا لقد وظف نجاحه وعلاقاته في التقريب بين اللبنانيين وكانت بدايات عمله الوطني في مواكبة مؤتمري جنيف عام 83 ولوزان عام 84، اللذين مهدا فعليا لمؤتمر الطائف. وكانت مواكبته لأعمال مؤتمر الطائف وتنقله بين كل الاطراف وتواصله مع كافة المراجع العربية التي رعت الاتفاق عاملا أساسيا في انجاح مؤتمر الطائف بما أفضى عنه من اتفاق".

وأفاد أنه "لم يكد حبر اتفاق الطائف يجف وما أن تحقق السلم الأهلي بوقف الاقتتال وتسليم السلاح وبدء تنفيذ الاتفاق من خلال الاصلاحات الدستورية، حتى باشر الشهيد بالتحضير لمرحلة تحقيق مشروع الدولة. فالدولة لا تقوم فقط باصلاحات سياسية على الورق لأن الهدف من الاصلاحات السياسية هو تأمين الخدمات الاساسية للناس والانماء المتوازن وفتح كوة أمل من بين الانقاض بأننا نستطيع، نستطيع أن نعيد مؤسسات الدولة للعمل ونستطيع أن نعيد بناء ما تهدم بشكل أفضل ونستطيع ان نشرع لانماء متوازن. كانت هذه الخطوة هي صمام الامان لاعادة الروح الى مفاصل الدولة وبدء العمل على وقف هجرة الشباب اللبناني، الثروة الأساس في لبنان والتي كان الرئيس الشهيد يؤمن بقدراتها ويعرف قيمتها عن حق. فكان أن قدم دولة الرئيس الشهيد هبة الى الدولة اللبنانية من خلال مجلس الانماء والاعمار لمشروع عرف بأفق 2000 يقوم على مسح الواقع الاقتصادي والخدمات العامة بعد الحرب واقتراح برنامج يتعلق بالدرجة الأولى بالاستثمارات العامة مع علاقتها بالوضع الماكرو اقتصادي هبة كلفت بها كبرى البيوت العالمية واللبنانية في الاقتصاد والمال والانشاء لوضع خطة حتى العام 2000".

ولفت إلى أنه "حين دخل الحريري الى السلطة كانت الدولة قد بدأت تستلم نتائج الدراسات لكن كان الشهيد يعرف بخبرته وفطرته وبعد نظره أنه وبصرف النظر عن الدور الذي لعبته سوريا في مرحلة ما في استقرار لبنان ووقف الحرب الأهلية فيه. فان اي نهضة في لبنان بمعزل عن نهضة موازية في سوريا سيصعب قيامها لذا حينما كان يخطط، وهو لا يزال في السعودية، لإعمار لبنان ورفعه من تحت الركام، فكر مليا بإمكانية إقامة مشروع اعماري للبنان وسوريا في وقت واحد، على منوال خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا وحاول أن يسعى إلى ذلك وإن كانت الظروف الإقليمية والدولية لم تسعف في السير بذلك إلا أن المتابع لمسيرته يعرف مساعيه الدائمة في فك الحصار الاقتصادي عن سوريا، وسعيه للمساهمة في تحسين علاقاتها مع الأوروبيين وخاصة مع الجانب الفرنسي، وهذا التفكير بذاته يشكل بعدا رؤيويا واقعيا فالماء، كما يقولون لا تمر على عطشان إضافة إلى أن سوريا بما تشكل من مجال حيوي للبنان، فإن دورها هذا يتسع اطرادا مع تقدمها وليس العكس. فإن كانت سوريا تستطيع أن تشكل سوقا للبنان، فإن هذا الدور يكبر ويزيد بقدر زيادة قدرة أهلها الشرائية. وهكذا نجد كيف أن رفيق الحريري ببعد نظره كان يعلم أن استقرار لبنان وازدهاره مرهون باستقرار جارته وازدهارها، وهذا بعد رؤيوي نادر يدفعنا إلى التبصر في حجم الفرصة التي أضعناها بخسارة رفيق الحريري رحمه الله. بهذه الخلفية الواقعية النادرة، وبالخلفية القومية التي يختزنها رفيق الحريري في أعماقه ومن مرحلة شبابه وبفهم عميق للجغرافية السياسية بكل أبعادها، والتي تجعل من سوريا الجار الوحيد، وانطلاقا من قناعته في دور سوريا في المنطقة، وتحديدا في مسألة السلم والحرب، والتواجد السوري في لبنان، بنى الشهيد رؤيته السياسية في العلاقة مع سوريا ورأى في التفاهم والتنسيق معها مصدرا لاستقرار لبنان الذي هو في أصل كل نهضة اقتصادية أو إعمارية أو اجتماعية، وحماية من الخطر الإسرائيلي ببعده الإحتلالي، وإبعادا لشبح الفتنة التي كانت إسرائيل تسعى دوما لزرعها في لبنان".