في ظل الحملات الدولية القائمة، التي تستهدف وجود "داعش" في سوريا و​العراق​، يبدو أن التنظيم الإرهابي قرر البحث عن ساحة جديدة في دول ​المغرب العربي​، مستفيداً من القاعدة التي بناها في ليبيا نتيجة الفوضى القائمة منذ إسقاط حكم ​معمر القذافي​، من دون أن تنجح القوى السياسية هناك في بناء دولة جديدة قادرة على مواجهة المخاطر.

قد يكون لافتاً، أن أول عملية توسع، نحو دول الجوار في المغرب العربي، كانت شبيهة بتلك التي قام بها "داعش" من سوريا باتجاه العراق، عندما عمد إلى كسر الحدود بين الدولتين، من خلال الهجوم المسلح على مدينة بن قردان التونسية، التي تقع على مقربة من الحدود الليبية، بالرغم من الإجراءات التي كانت قد قامت بها السلطات التونسية سابقاً، الأمر الذي رأي فيه الرئيس ​الباجي قائد السبسي​، "محاولة للسيطرة على الأوضاع في هذه المنطقة، والإعلان عن ولاية جديدة"، لكن ماذا في الخلفيات الحقيقية، في ظل الدعوات إلى تدخل دولي في ليبيا، كانت الدول المجاورة تعارضه، نظراً إلى التداعيات السلبية المحتملة عليها؟

الدعوات إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب في ليبيا ليست جديدة، بل هي تعود إلى أشهر طويلة إلى الوراء، بالرغم من أن العامل الأبرز في هذه الأزمة هو التدخل الذي قاده حلف شمال الأطلسي "الناتو"، من أجل إسقاط القذافي، حيث ظهر التعاون مع بعض عناصر تنظيم "القاعدة" في هذه المعركة، واليوم عاد الحديث بقوة عن تدخل تتولى قيادته الدول الأوروبية، التي تبحث عن دور لها، بعد إقصائها شبه النهائي في سوريا والعراق، من قبل كل من الولايات المتحدة و​روسيا​.

بالنسبة إلى المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية اللواء المصري ​عادل سليمان​، يسعى "داعش" إلى خلق مناطق تمركز جديدة بهدف إثبات وجوده في المنطقة، وهو يرى أن ليبيا هي الأرضية الخصبة لهذا التوجه، خصوصاً أنها قد تكون المنطلق نحو التوسع في شمال أفريقيا، ويضع الهجوم الذي شهدته الحدود التونسية في هذا الإطار.

ويلفت اللواء سليمان، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الضغط الذي تتعرض له معاقل التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق هي الدافع الأول نحو التمدد، بغرض جذب الإهتمام الدولي وإبعاد التركيز عن المناطق الأساسية، ويؤكد بأن أحداً لا يستطيع أن يحكم بدقة على قوة "داعش" الحقيقية في ليبيا أو بأي مكان آخر، إلا أنه يوضح أن التنظيم موجود ولا يمكن القضاء عليه بسهولة.

من جانبه، يشير مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف التونسي ​رياض الصيداوي​، عبر "النشرة"، إلى أن "داعش" يريد إمارة له في تونس، كما هو الواقع في الرقة السورية والموصل العراقية، وبالتالي هذه الحركة العالمية تريد إنزال العلم التونسي الوطني لرفع الرايات السوداء، لكنه ينفي إمكانية إنتشار التنظيم الإرهابي في دول المغرب العربي، طالما أنّ الاستقرار متوفر فيها، ويشير إلى أن هذا لا يعني عدم قدرته على تنفيذ بعض الجرائم من خلال الخلايا النائمة.

ويعتبر الصيداوي أن عدو الإرهاب الأول هو الجيوش وأجهزة المخابرات الوطنية، ولذلك نجح في التمدد في ليبيا، فهو حيث لا توجد دولة يكون قادراً على الإنتصار، في حين أن الواقع مختلف في تونس والجزائر ومصر والمغرب، لكن كل الإحتمالات تبقى قائمة.

في ما يتعلق باحتمالات التدخل الدولي في ليبيا، يعتبر اللواء سليمان أن هذا الخيار قائم، لكنه يلفت إلى أنه في سوريا والعراق لم يأت بأي نتائج إيجابية حقيقية، والدليل أن "داعش" لا يزال قادراً على التحرك هناك بكل حرية، ويعتبر أن الأمر قد يكون له تداعيات سلبية، لناحية حشد التنظيم عناصر مؤيدة من أجل التوجه إلى الساحة الجديدة، ويدعو إلى بناء رؤية أوسع بين دول الإقليم، بالإضافة إلى البحث عن البيئة التي تساعده للتعامل معها، ويضيف: "سياسة الإنتظار حتى يأتي "داعش" ومن ثم الإنتقال إلى المواجهة لن تثمر".

أما بالنسبة إلى طروحات التقسيم أو إقامة دول إتحادية أو فيدرالية، يشير اللواء سليمان إلى أن هذه الأفكار لا تأتي من "داعش" بل من التحالفات الدولية، ويوضح أن هذا الأمر برز في المسألة السورية من خلال الطرح الروسي بمباركة أميركية، ويشدد على أن هذا الأمر يشجع التنظيم الإرهابي على التحرك والتمدد، في حين أن الشعوب هي من يدفع الثمن في جميع الإحتمالات.

بدوره، يرى الصيداوي أن خيار التدخل الدولي ممكن، خصوصاً بعد التهديد التي شعرت بها الدول الغربية، نظراً إلى إقتراب "داعش" من حدودها بسبب تواجده على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، لكنه يؤكد أنها لن تقدم على أي تحرك إلا من أجل حماية مصالحها، ويرى أن الأوضاع لن تكون أسوأ مما هي عليه اليوم عند ذلك، "فحتى خيار التقسيم، الذي تتحدث عنه بعض المراكز الغربية، هو قائم راهنًا على أرض الواقع".

في المحصلة، يسعى "داعش"، في ظل الفوضى القائمة على الساحة الليبية، إلى التمدد نحو دول الجوار، ليكون بوابة التدخل العسكري الدولي المقبل نحو المغرب العربي، بعد أن نجح في تحقيق هذا الهدف في المشرق منه.