كعادته اخرج الرئيس نبيه بري ارانبه المعتادة من كمّه في مؤتمره الصحافي الاخير ليعيد قانون الانتخاب الى مدفنه الرئيسي في اللجان المشتركة. فنبيه بري يعرف اكثر من غيره ان اللجان مقبرة المشاريع وان شريكيه الاساسيين سعد الحريري ووليد جنبلاط يريدان بقاء الستين كما هو من دون تعديل. وهما يكادان الوحيدان المتضرران من اي تعديلات في قانون الانتخاب مهما كانت ضئيلة لانها تخلق للطرفين منافسين وشركاء في الجبنة الطائفية لكل منهما في عقر داره. فسعد الحريري ليس في افضل حالاته مادياً وغطاؤه السعودي يكاد يتأرجح. وبالامس بدأت الاصوات المطالبة من داخل البيت الازرق برفع الغطاء عن الفاسدين والسارقين والناهبين لثروات الدولة، والتي دخلت الى مقبرة جيوب بعض النافذين البيروتيين في تيار "الاعتدال" الازرق.

صحيح ان شعور خصوم وحلفاء الحريري بترهل قواه السياسية وضعفه في الفترة الاخيرة، قد زاد من "دوز" مطالبتهم بكسر الاحتكار السني: من عبد الرحيم مراد الى اشرف ريفي الى خالد الضاهر والجماعة الاسلامية وبعض القوى السلفية التي بات لها انصار كثر في صيدا وبيروت وطرابلس.

وبين هؤلاء خرج تيار لا بأس فيه من سنّة 8 آذار كحركة الشعب والعلمانيين والناصريين والشيوعيين والقوميين وجبهة العمل الاسلامي وجمعية المشاريع.

في المقابل، الحالة الجنبلاطية المتخبطة ليست في افضل حال من الحريرية المتهالكة. فلا يكفي جنبلاط شراكته ما بعد 11 ايار 2008 مع المير طلال ارسلان وحزبه الديمقراطي اللبناني، واضطراره الى التعايش معه في مناطق التماس الجنبلاطي - الارسلاني والاعتراف بحضوره، ووجوده كأمر واقع، بالاضافة الى المشاغب وئام وهاب والذي يفرض نفسه نداً لجنبلاط، بالاضافة الى الحضور اليزبكي عبر فيصل الداوود والحزب القومي السوري الاجتماعي والحصة الدرزية الجنوبية التي يمون عليها ايضاً الثنائي الشيعي امل وحزب الله.

وبين الثنائي الحريري- الجنبلاطي المأزوم من اي قانون انتخابي جديد، يبدو الثنائي الشيعي مرتاحاً "على وضعه" بفعل التفاهم السياسي المستمر منذ العام 2005 ولا يضيره اي تغيير في القانون، وقد يخلق النظام النسبي بعضا من التنوع والشريحة الثالثة بينهما والمترسخ بلدياً ايضاً هذه الايام، حيث حسمت البلديات ذات الغالبية الشيعية بالتزكية بنسبة 90 في المئة تقريباً وفق اوساط الجانبين.

الثنائي المسيحي المستجد والمكون من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يطرح "مظلوميته الكبيرة" من قانون الستين، ويعتبر ان اي قانون ما عداه يعد تطوراً افضل، مع تفضيله ان يكون القانون مختلطاً بين النسبي والاكثري لـ"سحق" اي منافسة مسيحية من العائلات او بعض "التجمعات" الكتائبية. ومن هذا المنطلق يسعى الكتائب بـ"النيو اللوك" لسامي الجميل الى ان يعقد صفقة مع جنبلاط والحريري وبري لبقاء الستين والمساهمة معهم في تطيير جلسة اللجان المشتركة او التشريع تحت ستار التضامن المسيحي ورفض التشريع في ظل غياب انتخاب الرئيس.

ارانب بري ايضاً اصابت في اكثر من موضع. الاول انه لم يدع الى جلسة تشريعية في ظل معارضة التكتل المسيحي حضور اي جلسة لا يطرح قانون الانتخاب بنداً اول فيها، وبالتالي تجنب استفزاز المسيحيين من باب الميثاقية ولم يحرج المستقبل الذي تعهد للقوات بعدم حضور اي جلسة لا يكون قانون الانتخاب فيها حاضراً.

الموضع الثاني الذي اصاب بري انه ارضى مع المسيحيين جنبلاط والحريري ولم يخرج احد "زعلاناً" من تخريجة ابو مصطفى، وردّ الكرة الى ملعب اللجان المشتركة، وخذوا ما شئتم من وقت ليكون لكم قانون انتخاب من اصل 17 اقتراحا، وصالح منها للنقاش 3 فقط حسب ما يروّج نواب بري هذه الايام مع نواب المستقبل. وعليه بين النقاش حول النسبي والاكثري قد نحتاج الى سنة اضافية الى حين آوان نهاية ولاية مجلس النواب الممددة الثانية. ولوقتها لكل حادث حديث.

الموضع الاخير الذي اصاب بري خلاله، انه ابقى مفتاح مجلس النواب في جيبه بالتكافل والتضامن ،مع الحريري وجنبلاط، واراح نفسه من المسيحيين، والضغط الذي تولده المزايدة والشعبوية والاندفاعة المطلوبة في الشارع المسيحي على ابواب الانتخابات البلدية والاختيارية.

منذ ايام أكد السفير الروسي الكسندر زاسبيكين امام زواره في بيروت ان روسيا الاتحادية لن تسمح بليبيا ثانية في سورية، وان الرياض وباقي الدول الداعمة للمعارضة لا تريد حلاً سياسياً في سورية. وفهم زواره ان قرار الحسم العسكري في حلب قد اتخذ. ما يعني ان الحرائق السورية قد تسرّع من الحلول السياسية تحت النار في بلاد الشام قبل تشرين الاول المقبل، آوان انتهاء صلاحية الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما. وهذا الانتظار سيكون لبنانياً بمزيد من طروحات تضييع الوقت.