في المدن الكبرى، تقوم إستراتيجية "تيار المستقبل" على إبرام التفاهمات مع كل الأحزاب والشخصيات السياسية البارزة على الأرض، بهدف تجنّب أي معركة إنتخابية مزعجة مادياً وشعبياً. تفاهمات تتخطى التباعد السياسي القائم بين التيار الأزرق والأفرقاء اللذين يتحالف أو يسعى الى التحالف معهم، ومهما كبر حجم هذا التباعد في الطروحات السياسية والمشاريع الإنمائية. هذا ما حصل في بيروت، وهذا ما يحصل في طرابلس، وهذا ما كان يتمناه رئيس التيار النائب ​سعد الحريري​ في صيدا لولا إصرار أمين عام "التنظيم الشعبي الناصري" أسامة سعد على خوض المعركة الإنتخابية البلدية ضده، ولو منفرداً بعدما إصطفّت "الجماعة الإسلامية" ورئيس البلدية السابق عبد الرحمن البزري في لائحة رئيس البلدية الحالي المستقبلي ​محمد السعودي​.

أما في البلدات الأصغر حجماً لناحية عدد الناخبين، فإستراتجية "تيار المستقبل" لا تختلف كثيراً عن تلك المعتمدة في عواصم الأقضية، وكذلك الأهداف والنتائج المرجوة، حتى لو إختلفت الأسالييب المعتمدة، خصوصاً أن عدداً كبيراً من هذه البلدات، ألحق بـ"تيار المستقبل" في دورة العام 2010، خسائر سياسية ومادية لا تعوّض، لذلك قرر الأخير اليوم عدم تكرار سيناريو الإنتخابات البلدية الماضية، في وقت لا تحتمل فيه قيادته المزيد من الخسارات السياسية والشعبية، وليست بوارد دفع ولو دولار واحد هدراً على معركة إنتخابية في بلدة نسبة الخسارة فيها تصل الى الخمسين في المئة. من هنا جاء القرار القيادي بعدم تدخل مسؤولي التيار إنتخابياً في معارك قرى وبلدات ​البقاع​ الغربي والشمال ذات الغالبية السنيّة على أن تترك المنافسة للعائلات فقط. هناك من يقول من المتابعين للإجتماعات التي عقدها موفدو الحريري خلال جولاتهم الإنتخابية على المناطق، أن التوجه العام للتيار كان لمباركة كل اللوائح أولاً حتى لو كان البعض منها معارضاً لسياسة التيار، وثانياً لإبلاغ الجميع بقرار الوقوف على الحياد على عكس ما حصل في العام 2010. قرار عدم التدخل كما الوقوف على الحياد، يجعلان المعارك الإنتخابية عائلية بإمتياز ويفرض على الأحزاب الأخرى عدم التدخل أيضاً، الأمر الذي يخفف من وتيرة المنافسة، ويعفي التيار وخصومه من شبح دفع الأموال الباهظة كمصاريف الماكينات وشراء الأصوات لمن يقبل ببيع أصواته. مصاريف وبحسب مصدر سابق في ماكينة التيار الأزرق، وصل حجمها عام 2010 في البلدة البقاعية الواحدة التي لا يزيد ناخبوها عن الألفي مقترع، الى عتبة المليون ومئتي ألف دولار أميركي.

هذا مادياً، أما سياسياً، فقرارا عدم التدخل والوقوف على الحياد، يجنبان الحريري وتياره أي إستثمار سياسي من قبل الخصوم لخسارة ستحول إنتصاراً على التيار الأزرق في الشارع السني.

وكي يضبط الحريري مئة في المئة تنفيذ عدم التدخل والوقوف على الحياد، عمّم على كوادره وقياداته التالي: كل حزبي في "تيار المستقبل" يريد أن يخوض الإنتخابات البلدية والإختيارية ترشيحاً أو دعماً، عليه أن يعلق عضويته في التيار.

هكذا يعمل الحريري على تخفيف الخسارات المادية والسياسية في الإستحقاق البلدي، الذي فرضته الظروف عليه وعلى حلفائه، والذي وصفه رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط بـ"المصيبة التي حلت بنا"!