المسيح قام، حقاً قام.

هدف الطقوس عامة في الكنيسة أن تُجسِّد الأحداث الخلاصية، وبالتالي أن تجعل المؤمنين يحيون هذه الأحداث هنا والآن. ولعلّ أجمل الطقوس الكنسيّة على الإطلاق هو طقس خدمة الهجمة الذي يقام قبل القداس الإلهي يوم أحد الفصح المقدس. ففي هذا الطقس تذيع الكنيسة قيامة الرب فيحيا المؤمنون هذا الحدث وكأنهم برفقة حاملات الطيب أمام القبر الفارغ ويصرخون المسيح قام.

تقام هذه الخدمة باكراً جداً، سحراً، يوم أحد القيامة وذلك تماشياً مع النص الإنجيلي(مرقس 6: 1-8) الذي يُقرأ في هذه الخدمة والذي يرد فيه أن النسوة حاملات الطيب "باكراً جداً... أتين إلى القبر". يحمل الكاهن اللابس حلّة بيضاء مشعّة شمعة مضاءة، ونور الشمعة يرمز إلى القيامة. يدعو الكاهن المؤمنين لإضاءة شموعهم مرتلاً: "هلموا خذوا نوراً من النور الذي لا يعروه مساءٌ ومجّدوا المسيح الناهض من بين الأموات". ألم يقل المسيح "أنا نور العالم"؟

يخرج الجميع من الكنيسة حاملين شموعهم المضاءة متشبهين بحاملات الطيب اللواتي ذهبن باكراً إلى القبر ليطيّبن جسد يسوع. وفي خروجهم ترتل الجوقة "لقيامتك أيها المسيح الملائكة في السماء يمجدون، فأهلنا نحن الذين على الأرض أن نمجدك بقلوب نقية". نطلب من الرب أن ينير أذهاننا بنوره البهي لكي نستوعب سر قيامته من بين الأموات، أن ينير دربنا نحو الملكوت، أن ينتصر فينا نوره على نور ظلمة خطايانا، فنكون نحيا القيامة بالفعل.

بعد الخروج يُغلق باب الكنيسة كما أُغلق باب القبر ثم يتلو الكاهن النص الإنجيلي معلناً قيامة الرب، ويرتل بعده الشعب "المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور". في هذا اليوم المبارك لا يشبع المؤمنون من ترداد هذه الترتيلة، فتُرتل لأكثر من ستين مرة صباح هذا اليوم. كما تُقرع الأجراس معلنة قيامة الرب وانتصاره على الموت والشرير.

بعد تلاوة الطلبة السلامية يتوجه الكاهن نحو باب الكنيسة المغلق، باب القبر وباب الجحيم، ويقرعه بقوة صارخاً: "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد"، وثم يفتحها كما دحرج المسيح الحجر عن باب القبر، وكما حطم المسيح أبواب الجحيم وأقام معه كل المتئتين. في هذه اللحظات أيضاً يصير باب الكنيسة رمزاً لباب الملكوت الذي افتتحه لنا المسيح من جديد. يصير باب الفردوس المستعاد الذي أعادنا إليه المسيح بعدما كنا قد طُردنا منه قديماً.

في عبورنا من خارج الكنيسة إلى داخلها بعد فتح الأبواب ننتقل مع يسوع من الجحيم إلى الملكوت، من الموت إلى الحياة. ندخل ونرى الثريات تتأرجح وهذا رمز للزلزلة التي حصلت عندما تدحرج الحجر عن باب القبر، عندما قام يسوع من بين الأموات. بعدها يبدأ ترتيل قانون الفصح: "اليوم يوم القيامة" وتتوّج الخدمة بالقداس الإلهي حيث يشترك المؤمنون بجسد ربنا يسوع ودمه الكريمين.

من عادات ​عيد الفصح​ أن يبارك الكاهن في نهاية القداس البيض المسلوق. فالبيض يرمز إلى الحياة الجديدة المنبعثة من القبر، إذ كما يخرج الصوص من البيضة حياً هكذا يخرج يسوع من القبر حياً بعدما كان ميتاً بالجسد. وبعدها يفاقس الجميع البيض قائلين "المسيح قام، حقاً قام". نذكر أنه من أحد الفصح لغاية خميس الصعود يستبدل المسيحيون التحية بين بعضهم صباحاً ومساءً بعبارة "المسيح قام حقاً قام". كما أنه في هذه الفترة تبقى ستائر الأيقونسطاس (في الهيكل) مفتوحة دائماً للدلالة على أن المسيح بقيامته أزال كل حاجز بين الأرض والسماء.

ألا أشرق الرب نور قيامته في قلوبنا، وجعلنا من أبناء النور فنرث الحياة الأبدية وملكوته السماوي.