يعكس القرار رقم 10150 والذي يندرج باطار تعميم داخلي صادر عن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله والذي تلا مضمونه وزير الصناعة والنائب عن "حزب الله" ​حسين الحاج حسن​ أمام مجموعة حزبية قبل أيام، مستوى الجدّية التي يتعاطى بها الحزب مع الاستحقاق البلدي المقبل. فلا انشغاله بالمعارك السورية منذ العام 2012 ولا انهماكه بالتصدي للعقوبات المالية التي تطاله أو بالحصار السياسي والاقتصادي والاجتماعي المفروض عليه اقليميا ودوليا، أولويات منعته من خوض غمار ​الانتخابات البلدية​ كلاعب بارز وأساسي في نسج التحالفات واعداد اللوائح وحتى وضع استراتيجيات المواجهة في عدد من المناطق حيث تعدد المرشحون.

ويعتبر الحزب أن التحدي الاساسي الذي يواجهه في المعركة البلدية ينحصر بـ"نسب المشاركة" التي يتعاطى معها كأولوية مطلقة ساعيا لرفعها الى أعلى مستوياتها، خاصة وأن لا منافسين جديين له في المناطق البقاعية والجنوبية حيث يتواجد جمهوره، لذلك تراه ينكب على ايجاد الصيغة المناسبة لحثّ هذا الجمهور للتوجه الى صناديق الاقتراع بغياب المعركة والدافع الأساسي، وهو ما قد يكون أصعب بكثير من الطلب من الجماهير الوقوف بصفه في وجه خصم يشكل حافزا للمناصرين الحزبيين لتحقيق أهداف في مرماه.

وبحسب مصادر معنية ومقربة من الحزب، فهو يعتبر خوض غمار الانتخابات البلدية "جزءا من معركة الدفاع عن الذات والوجود التي يخوضها عسكريا في سوريا ولبنان على حد سواء، خاصة في ظل الهجوم المبرمج المستمر عليه لحرمانه من قوته الشعبية واظهاره كحالة طارئة على الساحة اللبنانية والمنطقة علما انّه حالة شعبية متجذرة ولا مجال لفصله عن جمهوره وبيئته". ويختبر "حزب الله" في هذا الاستحقاق قوته الشعبية كما تلك التجييرية بعد مرحلة دقيقة جدا من تاريخه اضطر خلالها للقتال في سوريا مواجها تحديات جمّة لا تنفك تتزايد مع مرور الأيام لتشمل كل القطاعات والمجالات. وفي هذا السياق تقول المصادر: "لو كانت الظروف التي يمر بها الحزب كما الهجمة المستمرة عليه والتي تتخذ طابعا وجوديا مختلفة عمّا هي اليوم، لكان بدا أقل تشددا في التعاطي مع الاستحقاق البلدي وقياس القوى الشعبية، انما وفي ظل المواجهة الكبرى التي يخوضها وتحول الاقتراع لمؤشر لمدى التأييد الحالي له والانتظام العام، كان لا بد من الاعداد الجيد للمعركة".

وتستغرب المصادر اعتقاد البعض أن انشغال الحزب بجبهات سوريا قد يؤثر على عمله أو أدائه في ميادين أخرى، "فكما أكدنا مرارا وتكرارا، فان العناصر الجاهزين والموكلين قتال اسرائيل هم على جبهاتهم جنوب لبنان ولم يتم المس لا بعديدهم ولا بعتادهم، وكذلك العناصر المختصّين بالتحضير للانتخابات البلدية وغيرها من الاستحقاقات الداخلية، هؤلاء لا علاقة لهم بالقتال وينصرفون لانجاز مهامهم بحرفية عالية... هذه هي الطريقة التي يعتمدها الحزب والتي تنص بشكل أساسي على توزيع المهام على فرق مختصة، بحيث يكون لكل فئة وظيفة فلا تتقاطع مهمة مجموعة ما مع المهمات المحصورة بمجموعة أخرى".

وفيما يخوض الحزب الانتخابات البلدية في معظم المناطق اللبنانية حيث يتواجد على لوائح موحدة مع حركة "أمل" من منطلق أن وحدة الصف الشيعي أولوية مطلقة لديه على ما عداها من أولويات فلا يقصّر بالتخلي عن حصصه لمصلحة استمرار هذه الوحدة، سيخوض منافسة قلّ نظيرها في بلدات اللبوة وبريتال وبرج البراجنة وغيرها، وهو ينظر بايجابية الى الموضوع من منطلق أن ذلك ينسف ما تسوّق له جهات متعددة عن أنّه يصادر القرار الشيعي.

بالمحصلة، وان كان البعض ينظر للتعميم الحزبي الصادر عن السيد نصرالله حول الاستحقاق البلدي كـ"تكليف شرعي" يشبه الى حد ما تمسك رئيس تيار "المستقبل" عند كل استحقاق انتخابي بشعار "زي ما هي"، الا أن من يدقق أكثر بطريقة عمل "حزب الله" وكيفية توزيع المهام على مختلف أجنحته، يُدرك المستوى التنظيمي غير المسبوق الذي بلغه والذي قد يشكل تحديا كبيرا في المستقبل البعيد في حال تقرر ضمه الى كنف الدولة التي تبدو يوما بعد يوم أضعف أمامه لا بل أقل تماسكا وقدرة.