تتحدّث صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن المشهد الداخلي الأميركي إذا ما فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وتذكر في هذا الإطار تصريحاته المتشنّجة والمتطرّفة تجاه المسلمين والمرأة متناولة مساعي مستشاره بول مانافورت في تحسين صورته فتقول: «لا يمكن لمستحضرات التجميل أن تحجب الأجندة الوحشية والنرجسية والتقلب المزاجي وعدم الخبرة لدى ترامب، وهذه الأمور ستجعل منه في حال فوزه بالانتخابات رئيساً كارثياً».

يحتفل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس دونالد ترامب تلك الولاية نفسها التي احتضنت عائلة بوش بتطرف غير مسبوق، بما أعلنه رئيس الحزب الجمهوري رينسي بريبوس من أنه سيكون المرشح المفترض للحزب لانتخابات الرئاسة المقرّر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل. ولاية تكساس التي تعتبر واحدة من المناطق الأكثر قرباً من المحافظين الجدد والمتشدّدين الأميركيين، خصوصاً في السياسة الخارجية تشهد على مفارقة دقيقة بين ما تحتضنه من مفاهيم وأصول تاريخية تحكي حسن العلاقة مع الساسة «الإسرائيليين» وتطلّعاتهم في العالم، وتكسر صورة الولاية الشديدة الانحياز بشخصيات أميركية بارزة الى المصلحة «الإسرائيلية» بظهور دونالد ترامب القادم من الأرياف كشخصية منتفضة على الواقع الأميركي او النمطي في إدارة السياسة الخارجية المبنية على عقيدة القوة والعنجهية الأميركية التي لا تزال تتغنّى بها شخصيات أميركية عديدة، فيمرّ على العلاقة الضرورية مع روسيا من دون هواجس كسر الأحادية الأميركية في العالم التي لم يعد يؤمن بها ترامب على ما يبدو بمجرد إعلان نيات التعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مجالات عديدة، وأبرزها مكافحة الإرهاب في محاولة للتعليق على خطوات الرئيس الحالي باراك أوباما المتثاقلة تجاه الخطوة.

نيات المرشح الأميركي الجمهوري الأكثر شعبية دونالد ترامب تبث إشارات ومخاطر عديدة عند دول منطقة الشرق الاوسط، وتحديداً الخليج و«إسرائيل» التي كان لها الحصة الأكثر حذراً من خطابات عاود ترامب تصحيحها في مناسبات عديدة أبرزها اعتباره أنّ بيع السلاح من دون مقابل مالي لأصدقاء واشنطن لا يجب أن يستمرّ. ما اعتبرته «إسرائيل» رسالة مباشرة لها، فما كان من ترامب إلا وشرح وجهة نظره معتبراً انه بالتأكيد لا يعني «إسرائيل» بما قاله، وكان هذا في حديثه امام «ايباك».

استغلت هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي من جهتها كلام ترامب الموجه لـ«إسرائيل» محاولة التشويش في اكثر من جلسة على ما قاله، معتبرة «أنه يكذب» وأن هذه هي نياته الحقيقية تجاه إسرائيل»، وهنا إشارة بالغة على أهمية الدعم «الإسرائيلي» لأيّ مرشح للرئاسة الأميركية.

دونالد ترامب صاحب الحظ الجيد سينافس بشكل لافت كشخصية أميركية فريدة أقوى المرشحين الديمقراطيين، وهنا يواصل مستشاره بول مانافورت شرح أقواله فيقول إن الأخير لا يريد ترحيل 11 مليون لاجئ ولا يريد منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة أو قتل الأطفال «الإرهابيين» أو الإساءة للمرأة، ولكن الغرض من تصريحاته تلك هو الفوز في الانتخابات التمهيدية، وعندما يحين وقت الانتخابات الرئاسية فستظهر شخصية ترامب الحقيقية.

تلك الشخصية الحقيقية هي التي تشكّل اليوم مصدر قلق كبير على لاعب آخر في سياسة الشرق الأوسط هو المملكة العربية السعودية التي تخوض اليوم مرحلة جديدة وضعتها أمام تحديات كبيرة، فهي تخوض اليوم حرباً في اليمن ومعركة طاحنة في سورية تحاول من خلالهما حجز مكانة نافذة في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي التي غيّرت الموازين بشكل ملحوظ. وهنا تتكرّر كلمات وتصريحات لمسؤولين سعوديين بينهم وزير الخارجية عادل الجبير عن انتظار الرياض مصير الانتخابات الأميركية لكي تستجيب للحلول او ربما تواصل تنفيذ مشاريعها. وهنا مشاجرة وقعت على هامش احد الاجتماعات في الأمم المتحدة وصلت الى حدّ تحدّي الجبير لوزير خارجية أميركا جون كيري في معرض طلب الأخير استيضاح اسباب التعنّت السعودي في ملف المفاوضات السورية ليفاجئه بالقول «إننا ننتظر قدوم الجمهوريين إلى الحكم».

يتضح منذ ذلك الوقت جهل الإدارة السعودية بحظوظ المرشحين القادمين الذين من الممكن ان يفوزوا بترشيح الحزب الجمهوري، وبالأخص دونالد ترامب الذي أطلق تصريحات لاذعة جداً تجاه المملكة واصفاً حربها في اليمن حرب النفط فقط، بسبب ما بدأ ينضب منه عندها من جهة، ومن جهة أخرى اعتباره أنّ النظام السعودي هشٌّ لدرجة انه غير قادر على الصمود ساعات لولا حماية الأميركيين له.

يحتفل ترامب مع أنصاره في نيويورك بهذا الانتصار الذي وصفه بالكبير، ووعد بالفوز على مرشح الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية، ووصف المرشحة الديمقراطية المحتملة هيلاري كلينتون بأنها ستكون رئيسة ضعيفة للولايات المتحدة. هذه هي أجواء الانتخابات الأميركية اليوم التي يسقط فيها رهان عربي أساسي على تغيير في واشنطن قادر على تغيير المعادلة بالمنطقة، خصوصاً في سورية.

وهنا يفيد التطرق الى حظوظ فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة ومصير المفاوضات السورية والعلاقة مع السعودية، فالأخيرة التي تمثل الحزب الديمقراطي، وهو الحزب نفسه الذي يمثله أوباما، تعتمد بشكل كبير على ما تركه الحزب من إنجازات جيرها أوباما لصالح مرشح الحزب القادم، بينها المصالحة مع كوبا وتوقيع الاتفاق النووي مع طهران، ما من شأنه أن يعزز حضور الحزب في أذهان الأميركيين بغضّ النظر عن موقف هيلاري من خطوات أوباما، إلا أنها بلا شك ستصبّ في رصيد الحزب، وهنا فإنّ كلينتون غير قادرة إلا على استئناف مرحلة سعي أوباما لإيجاد حلول في سورية حتى ذلك الوقت، خصوصاً مع تأكيد مصدر ديبلوماسي لـ«البناء» عن نيات تعيين جون كيري نائباً للرئيس بحال فوز كلينتون.