- أعلنت موسكو وواشنطن وأيّدت دمشق الإعلان عن شمول حلب وأريافها بنظام التهدئة المعمول به في ريفي دمشق واللاذقية منذ اسبوع تقريبا، وأوضح الجيش السوري أن التهدئة ستشمل حلب لمدة ثمان واربعين ساعة. وكانت مثيلاتها في ريفي دمشق واللاذقية تتجدد كل أربع وعشرين أو ثمان وأربعين ساعة. والواضح أن نظام التهدئة الداخل إلى مفردات الحرب في سورية حديثاً هو شيء مختلف عن أحكام الهدنة التي صدرت ببيان رسمي مشترك في واشنطن وموسكو وتمّت إعادة تأكيدها بقرار منفصل عن مجلس الأمن الدولي.

- أحكام الهدنة تتكامل، كما ورد في البيان الروسي الأميركي مع مفهومَيْن يشكلان محور التعاون الأميركي الروسي في سورية ويشكلان اختصاراً لعناوين السياسة فيها وهما، الحرب على الإرهاب وإطلاق عملية سياسية بين الأطراف السورية في الحكم والمعارضة لتشكيل حكومة سورية موحّدة تنال شرعية الاعتراف بوجودها من القوى الدولية والإقليمية المنقسمة حول سورية، وتصير شريكاً شرعياً في تحالف دولي إقليمي للحرب على الإرهاب تحت مظلة أممية، يشترك فيها المشاركون في مسار فيينا من أعضاء مجلس الأمن والدول العالمية المؤثرة والدول الإقليمية الفاعلة والمتواجهة حتى الآن في الحرب في سورية. وتتولى هذه الحكومة مهمة الإعداد لدستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية على أساسه، ولذلك ترابطت الهدنة بمسار جنيف للعملية السياسية من جهة، وجرى استثناء داعش والنصرة من أحكامها من جهة ثانية، بحيث صارت الهدنة هي توافق على الانتقال من المواجهة العسكرية إلى التفاوض السياسي بين المشاركين في مسار جنيف، كما يريد لها الروس والأميركيون.

- تقول تجربة الهدنة وجنيف كتوأمين للمساعي الروسية الأميركية أن إصابة أحد التوأمين بالحمى يؤدي إلى إصابة الثاني، وها هي النتيجة استحالة العودة للهدنة واستحالة العودة لمسار جنيف. والسبب هو ان مفهوم السير بكليهما يستدعي إما إخلاصاً أميركياً للتفاهمات، وهذا يستدعي الانفصال الأميركي عن حليفين رئيسيين هما تركيا والسعودية، ومن ورائهما المكوّنات السورية التي تدور في فلكهما، أو تراجعاً روسياً عن مفهوم العملية السياسية والحرب على الإرهاب، للقبول بما يرضي حلفاء واشنطن، سواء في ما يتعلق بقبول العودة لجعل العملية السياسية مفتوحة على شروط تتصل بالرئاسة السورية. وهو ما كان رفض موسكو له سبباً لتدخلها العسكري الذي جلب واشنطن إلى مفهومها، وحقق لها الإنجاز الأهم وهو صدور قرار أممي يستجيب لمفهومها للعملية السياسية، أو في ما يتعلق بقبول استثناء جبهة النصرة من الحرب على الإرهاب واعتبارها مشمولة بأحكام الهدنة، وهذا يعني إما دمجها بالعملية السياسية وبشروطها وسقوفها وتفخيخ هذه العملية مجدداً خصوصاً في شأن مستقبل الرئاسة على الأقل وهوية الدولة المدنية حكماً وقبول تسرّب لغة التطرف والعصبيات المذهبية إلى هوية الدولة السورية وسواها من مخرجات الوهابية التي يحملها تنظيم القاعدة، أو إبقاءها خارج العملية السياسية وتقسيم سورية، بالتغاضي عن إمارة النصرة أو الكانتون التركي في شمال سورية. والواضح أن التطبيق العملي لتوأم الهدنة ومسار جنيف بات محصوراً بقبول روسي بالهزيمة والعودة إلى ما قبل التموضع العسكري في سورية، وهذا واضح أنه مستحيل، أو قبول أميركي بالتطبيق النزيه للتفاهمات وما فيها من خسائر وآلام.

- واضح أن الموقف الروسي حاسم برفض أي تعديل بمسار العملية السياسية وسقوفها، ورفض أي عبث بأحكام الهدنة، وخصوصاً استثناء جبهة النصرة منها، ومتمسّك بالضغط على الأميركي لاتخاذ الموقف الذي يوجبه تشاركه مع روسيا بإطلاق مسار جنيف والهدنة معاً وضمن تفاهم واضح. وواضح أن تفجير هدنة تستثني النصرة وعملية سياسية تستثني بحث الرئاسة السورية، يبدوان قضية الرياض وأنقرة ومن معهما في مفردات المعارضة، ووضع واشنطن بين مطرقة تفاهمات مع موسكو لا تبقي لها أقداماً في الأرض السورية ولا حلفاء حقيقيين في المنطقة، وسندان الاستجابة للمشاركة في نسف جهود التفاهمات بوهم القدرة على تعديلها وهو ما تعلم واشنطن أنه استحالة مزدوجة، فلا العودة للمواجهة كما كانت قبل مسارَي الهدنة وجنيف ستجلب انتصارات، ولا تعديل الموقف الروسي وارد في الحساب، لذلك تتلعثم واشنطن وتتردد وتحتاج وقتاً أطول لتبلور خياراتها، وهي تحت الضغط المزدوج، فأنقرة والرياض ومَن معهما لن يعطياها صكّ التغطية لحرب تنهي وجود النصرة وتخرجهم من معادلة الميدان والجغرافيا في سورية، وموسكو لن تعطيها صكّ تخريب سورية وتقسيمها وتسليمها لتنظيم القاعدة والجنون التركي السعودي بعد كل هذه التضحيات والإنجازات.

- ابتكار نظام التهدئة هو للقول إن الهدنة مجمّدة، وإن ما يجري من وقف للنار في نظام التهدئة يجري بين أعداء وليس بين متفاوضين تجمعهما عملية سياسية، كأي وقف نار في حرب، يمكن أن يشمل تنظيمات إرهابية لضرورات إنسانية وميدانية، لكنه ليس الهدنة التي تمّت صياغتها كمفردة تترجم الجمع بين مقتضيات المسار السياسي السوري في جنيف ومستلزمات الحرب على الإرهاب. وهذا مغزى أن نظام التهدئة يعمل به لمهل زمنية محددة لا تتعدى ثماني وأربعين ساعة يجري تمديدها مرة بمرة، وربما يمكن القول إن نظام التهدئة هنا بقدر ما هو حاجة في حلب لأهلها للتنفس وتضميد الجراح، هو مهلة روسية للأميركيين لحسم أمرهم بين سقوط الهدنة ومسار جنيف أو استئنافهما وفقاً للأحكام المتفق عليها. ومهلة الساعات قد تصير أياماً لكنها ستنتهي وفقاً لوضوح إحياء الهدنة وجنيف بشروط انطلاقهما وإلا سيسقطان معاً وتعود الكلمة للميدان كما كانت قبلهما.