شكّلت الهجمات التي شنتها المجموعات المسلحة السورية بقيادة "​جبهة النصرة​" في حلب مفاجأة سياسية، استنادا الى الحديث الذي تكرر في الاسابيع الماضية حول تحضيرات واسعة للجيش السوري وحلفائه لاستعادة مساحات حلبية تسيطر عليها المجموعات المسلحة. بالفعل كان الجيش يجهّز هجمات عدة من دون اي مؤازرة روسية. موسكو وعدت الأميركيين بعدم التدخل في حلب لا في مساعدة السوريين ولا في منعهم من الهجوم. الحياد الروسي كان قد اتُفق عليه بين وزيري خارجية الولايات المتحدة الاميركية جون كيري والروسي ​سيرغي لافروف​. قناعة موسكو هنا ان ​الجيش السوري​ سيحقق في حال الهجوم مكاسب محدودة لا تصل الى حد استعادة مناطق واسعة. لذلك كان تركيز الروس على التحضير لضرب "داعش" في ​الرقة​ و​دير الزور​. المهمة أسهل ميدانيا -حيث المناطق الصحراوية المكشوفة- ودولياً في الابعاد السياسية لمحاربة التنظيم.
حُكي عن حملة عسكرية سورية ضخمة جداً في حلب. وصلت الأنباء الى العواصم الداعمة للمعارضة. تمّ تدبير هجوم استباقي قادته "جبهة النصرة" بعد حملة إعلامية ضخمة أوحت بأن "طائرات النظام" ارتكبت مجازر بحق المدنيين. كان كل شيء مدبّراً لمنع هجوم الجيش السوري واجهاض مشروعه بإستعادة مناطق حلبيّة وتوسيع دائرة الأمان حول المدينة الجريحة.
اي تقدم كان سيحصل شمالا للجيش السوري يعني رسم معادلة ميدانية جديدة تُرجح كفة "النظام" في السياسة والتفاوض وتُجهض مشروع تركيا نهائياً.
بالنسبة الى العاملين على تسويق الخرائط الجديدة، فإن حلب تعني ثقلاً معنوياً وجغرافيا وديمغرافيا، لا يمكن حسم موقعها في الميدان من دون تفاوض سياسي بكل الاتجاهات. الاتراك والسعوديون وحلفاؤهم أوصلوا رسائل للأميركيين مفادها ان لا تنازل عن حلب بالسهولة. لذلك بقيت الخطوط العسكرية مفتوحة وتم تكليف "النصرة" بقيادة الهجوم الاستباقي. ثم أتى الضغط لفرض الهدنة في حلب لإبقاء الستاتيكو قائما من دون تعديل في الموازين.
نجحت القوى المعنية بفرض هدنة مؤقتة أرادها الأميركيون وسوّق لها الروس والتزمت بها الدولة السورية.
الزرع في حلب. لكن انجازات عسكرية تُسجل للجيش السوري في الغوطة الشرقية لدمشق منذ ايام. كرٌ وفرٌ. ومفاجآت متوقعة خلال الأسابيع المقبلة بعد تغيير في الموازين: استسلام مجموعات ضمن "المصالحات". اتصالات سرية بين مقاتلين والجيش السوري. اختلاف الأجندات بين "​جيش الاسلام​" ومجموعات فاعلة اخرى أدى الى حصول اقتتال وخطف واغتيالات متبادلة، رغم محاولات "الصلح".
مقابل وضع حلب على طاولة التفاوض، فإن قراراً دولياً شبه متفق عليه بين الأميركيين والروس، يقضي بالتخلص من المتطرفين في ريف دمشق وتحديدا الغوطة، بعد عرض "التسويات" على المجموعات المصنفة في خانة "المعتدلة".
من هنا حتى شهر آب يريد الأميركيون والروس حسم موضوع الغوطة على اساس التسوية المبنية على الكسر الميداني. هناك خشية أميركية من "داعش" في تلك المنطقة وسط معلومات وصلت الى الأميركيين حول امكانية التحاق مقاتلين بتنظيم "داعش" نتيجة الصراع والتخبط في صفوف مجموعات عدة.