على الرغم من كل الضغوط الدولية والإقليمية، يبدو أن تنظيم "داعش" الإرهابي نجح في إستعادة زمام المبادرة العسكرية على أرض الواقع من جديد، مستفيداً من صراع المصالح القائم على مختلف المستويات، لينتقل من مرحلة الدفاع عن مواقعه إلى الهجوم على مراكز أعدائه، في وقت كانت فيه كل المؤشرات توحي بالتحضير لمواجهات من العيار الثقيل في معاقله الأساسية، لا سيما في مدينتي ​الرقة​ السورية و​الموصل​ العراقية، لا بل لم تتردد بعض الجهات في ضرب مواعيد زمنية لها مع بداية فصل الصيف المقبل.

حتى الساعة، لا يمكن القول أن الأوضاع عادت إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل تشكيل التحالفين الأميركي والروسي لمحاربة الإرهاب، لكن على الأقل هناك نقاط ضعف يستفيد منها "داعش"، عبر تحقيق بعض الإنتصارات، التي قد تكون مرحلية إلا أنها ستصعب من مهمة القضاء عليه لاحقاً، ولكن هل هي تأتي عن طريق الصدفة أم أنها مدروسة في إطار الضغط ضمن مسار الحلول السياسية المنتظرة؟

في هذا السياق، نجح التنظيم الإرهابي الأخطر على مستوى العالم، في الفترة الأخيرة، بعد طرده من مدينة تدمر الأثرية في سوريا، بشن معارك متفرقة في ريفي حمص والقلمون، كان أبرزها في حقل الشاعر النفطي ومعمل الأسمنت في الضمير، بالإضافة إلى صده الهجمات التي قامت بها فصائل المعارضة "المعتدلة"، المدعومة من الحكومة التركية، في ريف حلب الشمالي، في حين تمكن من تحقيق إنتصار معنوي كبير، في الأيام الأخيرة، في حربه مع قوات البشمركة الكردية على أطراف مدينة الموصل العراقية، ما دفع بالكثيرين إلى طرح العديد من علامات الإستفهام حول قدرات "داعش"، في المرحلة الراهنة، خصوصاً بعد أن بات قادراً على تنفيذ عمليات خارجية على مستوى عال من الدقة، كتلك التي حصلت في العاصمتين الفرنسية باريس والبلجيكية بروكسل.

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن الحرب المعلنة على الإرهاب لم ترتق في أي وقت إلى المستوى المطلوب للقضاء على المنظمات المتطرفة، بل هي كانت ولا تزال ضمن المنافسة بين جهات متعددة على تحقيق أهدافها ومصالحها في هذه الدولة أو تلك، والدليل الفشل في تشكيل تحالف عالمي موحد تنحصر الجهود فيه حتى تؤتي ثمارها، بالإضافة إلى أنها لم تشمل مختلف الجوانب التي تستفيد منها هذه الجماعات للإستمرار في العمل أطول فترة ممكنة، وتسأل: "هل نفذت فعلياً القرارات الأممية التي تدعو إلى منع التعامل معها أو جرى العمل على الأقل على تجفيف مصادر تمويلها؟"، وتجيب: "لم يحصل أي من هذا بل يمكن القول أنه يتم غض النظر بسبب عدم القدرة على التطبيق، نظراً إلى أن البعض لا يزال يراهن على "داعش" وأخواتها لتحقيق مصالحه الإستراتيجية".

من وجهة نظر هذه المصادر، تستفيد الجماعات الإرهابية المختلفة، على رأسها "داعش" و"النصرة"، من الصراعات الإقليمية والدولية في سوريا والعراق إلى أبعد الحدود، نظراً إلى أن نتائجها تصب بشكل مباشر في صالحها، فالمعارك الدائرة حالياً في ​مدينة حلب​ منعت الإستمرار في الزحف نحو معاقل "داعش" في الرقة و​دير الزور​، في وقت لا تزال الخلافات حول من يستطيع الدخول في معركة الموصل تمنع إنطلاقها حتى الساعة، فالولايات المتحدة الأميركية لا تريد مشاركة قوات "الحشد الشعبي"، المدعومة من إيران، ولا حزب "العمال الكردستاني المتمركز في جبال سنجار فيها، في حين سارعت أنقرة إلى حجز موقع لها في المعركة قبل أشهر، عبر إرسال قواتها إلى معسكرات تقع على مقربة من المدينة، من دون إهمال تأثير الأزمة السياسية في البلاد، التي أنفجرت في الأونة الأخيرة بدعم من قوى خارجية.

في هذا الإطار، ترى المصادر نفسها أن من الممكن القول أن "داعش" يستفيد من حرب "الوراثة" القائمة في سوريا والعراق فقط، إلا أنها تعتبر أن النجاحات التي يحققها قد تكون مدروسة بهدف الضغط لدفع جميع الأفرقاء نحو الجلوس على طاولة المفاوضات السياسية، لا سيما أن المعلومات تؤكد بأن المساعدات لا تزال تصل إلى عناصره حتى اليوم، ما يعني أن الخطوات التي يقوم بها ليست من تلقاء نفسه أو بموجب قرار ذاتي، بل هي مطلوبة لتحقيق أهداف محددة مسبقاً، وهي ربما لا تكون سياسية بل عسكرية وأمنية أيضاً.

في المحصلة، عاد "داعش" إلى مرحلة تنفيذ الهجمات المحدودة من جديد، من دون أن يعني هذا الأمر قدرته على تحقيق الإنتصارات الكبرى، كما كان الواقع في السابق، ما سيؤدي حتماً إلى سقوط المزيد من الضحايا في لعبة المصالح الدولية والإقليمية، إلى حين التوصل إلى تفاهم يقضي بالقضاء عليه.