من يسمع رئيس "تيار المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ وهو يتحدث عن إحترام ​المناصفة​ في مقاعد مجلس ​بلدية بيروت​، يخاله للوهلة الأولى حريصاً على حقوق المسيحيين ووجودهم في تركيبة المؤسسات الرسمية، أكثر بكثير من الفاتيكان وبكركي والرابية ومعراب وبكفيا. ومن يتابع "الشيخ سعد" هذه الأيام، تحضر الى ذاكرته كل المحطات التي "حرص" فيها التيار الأزرق على حقوق المسيحيين النيابية والوزارية والتوظيفية، منذ عودتهم الى اللعبة السياسية بعد خروج الجيش السوري من لبنان وما تبعه من تحالف رباعي إنتخابي وحتى الساعة، وما أكثر الملفات المطروحة اليوم، التي تكشف كيف أن الحريري لا يريد المناصفة والميثاقية إلا في بلدية بيروت حصراً.

وفي هذا السياق، تبدأ جردة الحساب لتعاطي الحريري مع المسيحيين، من أصغر موقع في الدولة وصولاً الى رأس الهرم، تقول الأوساط المسيحية المتابعة.

من أصغر موظف مسيحي في مصلحة تسجيل السيارات في الدكوانه، إستبدله وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ عن غير حق ومن خارج النصوص والأعراف، بآخر مسلم هو والد أحد مستشاريه، تبدأ جردة الحساب. فعلى رغم الضجة المسيحية التي أثارتها مؤسسة "​لابورا​" مدعومةً من "التيار الوطني الحر" و"​القوات اللبنانية​" إعتراضاً على قرار المشنوق، لم يتدخل الحريري مع وزيره لإعادة الحق لأصحابه.

من قضية النافعة، الى ملف جهاز أمن الدولة المحسوب بحسب التوزيع الأمني على حصة المسيحيين، والذي يؤجل من جلسة وزارية الى أخرى، لم يسمع المسيحيون أي تصريح للحريري، يدعو فيه رئيس الحكومة تمّام سلام الى حسم هذا الموضوع وتحويل الأموال اللازمة للجهاز إضافة الى إعطائه ما يطلبه من داتا إتصالات للقيام بواجبه، كما تزوّد الأجهزة الأمنية الأخرى بهذه الداتا، التي باتت تشكل في عصرنا، المادة الأكثر فعالية في تعقب المطلوبين وتوقيفهم. مناصفة الحريري التي تشكل هذه الأيام مادة دسمة للمزايدة في الدفاع عن حقوق المسيحيين وحفظها كاملةً، لا يسمع لها أي صوت في ساحة النجمة وداخل أروقة مجلس النواب. هناك، حيث يدعي الأفرقاء السياسيون بأنهم يشرعون قانون إنتخاب عصري وميثاقي، لا صوت يعلو فوق أصوات نوّاب الحريري الرافضة لأي قانون يؤمن المناصفة الحقيقية. هناك داخل مجلس النواب، يتولى صقور "تيار المستقبل" مهمة شيطنة الإقتراح الأرثوذكسي، الذي يعطي المسيحيين حق إنتخاب 64 نائباً من أصل 64 يشكلون بحسب الدستور اللبناني حصة المسيحيين في الندوة البرلمانية.

وهناك أيضاً في مجلس النواب، ينقضّ صقور "تيار المستقبل" على أي صيغة قانون تطرح على طاولة البحث، من شأنها أن تعيد لممثلي المسيحيين الحقيقيين، المقاعد المسيحيّة التي يختارها الحريري شخصياً بإشارة من إصبعه، أو يقرّر مصير خسارتها أو فوزها بكتلته السنيّة الناخبة بحسب توزيع الدوائر الإنتخابية في قانون الستين، كل ذلك من دون أن يسمع صوت الحريري الصارخ الذي يأمر نوابه بضرورة تأمين المناصفة في قانون الإنتخاب. وما أكثر هذه المقاعد المسيحيّة الملحقة أو التابعة بقرارها لـ"كتلة المستقبل"، بسبب المناصفة المفقودة في قانون الإنتخاب. وكي لا يبقى هذا الكلام ضمن إطار الإتهام غير الموثق، من الضروري العودة الى تركيبة مجلس النواب ليتبين معنا التالي:

في كتلة "تيار المستقبل" النيابية التي يترأسها النائب فؤاد السنيورة ويتزعمها الحريري، 11 نائباً مسيحياً، دخلوا الندوة البرلمانية إما بأصوات السنّة لا المسيحيين، (كالنواب باسم الشاب ونبيل دو فريج وعاطف مجدلاني في دائرة بيروت الثالثة، سيبوه قالباكيان في بيروت الثانية، وهادي حبيش ورياض رحال ونضال طعمه في عكار)، وإمّا بأرجحية أصوات أمّنتها الكتلة الناخبة السنيّة لتيار المستقبل (كالنائبين جان اوغاسابيان وسيرج طورسركيسيان في بيروت الأولى، والنائبين فريد مكاري ونقولا غضن في دائرة الكورة).

هذا داخل الكتلة الزرقاء، أما خارجها، وقبل تحالف التيار الوطني الحر مع القوات اللبنانية، فهناك 12 نائباً مسيحياً، قرّر تيار المستقبل بفضل قانون الإنتخاب الحالي، مصير فوزهم، وهم شانت جنجنيان وطوني أبو خاطر وجوزيف معلوف وايلي ماروني ونقولا فتوش في زحله، ميشال فرعون ونائلة تويني ونديم الجميل في بيروت الأولى، روبير فاضل وسامر سعاده في طرابلس، فادي كرم في الكورة وروبير غانم في البقاع الغربي.

نهج الحريري المعتمد في احترام المناصفة في بلدية بيروت وضربها في مجلس النواب ومؤسسات الدولة وأجهزتها، ينسحب أيضاً على رأس الهرم، رئاسة الجمهورية، علماً أنه في السابق لطالما ردد مقولة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الشهيرة "فليتفق المسيحيون على رئيس وأنا أمشي".

إذاً ليس في تركيبة مجلس بلدية بيروت فقط تكون المناصفة الحقيقية، وليس تحت شعار هذه المناصفة، تضرب المناصفة الوظائفية والنيابية والرئاسية.