الآن، وقد مضى زمن الصيام الكبير لدى الطوائف المسيحية كلها التي إحتفلت بعيد القيامة، قيامة السيّد المسيح من القبر واطئاً الموت بالموت، اردت أن أشرك القارىء في حقيقة أن المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، لم ينسوا، بعد أكثر من ألفي سنة، دور اليهود في صلب المسيح حتى الموت، وهو الذي افتدى بصلبه البشرية جمعاء وفق إيماننا الراسخ.

وعلى إمتداد الخمسين يوماً، وبالذات يوم الجمعة العظيمة يطال بني صهيون من الموارنة الكثير من التنديد باليهود فإذا هم جماعة رجس، وإذا هم جماعة رياء، وإذا هم متآمرون، وإذا هم قليلو الوفاء ناكرو الجميل، وإذا هم أهل دسيسة، وإذا هم معوّجون ويمقتون العدالة، واذا هم آثمون (...).

وكي لا يبقى الكلام في العموميات استندُ الى «رتبة سجدة الصليب يوم جمعة الآلام»، كما وردت في الكتيب الذي يحمل إسمها ذاته والصادر عن جامعة الروح القدس في الكسليك والذي اقرته المرجعية المارونية في بكركي، والذي يتضمن قراءات وصلوات وتراتيل من العهدين القديم والجديد، يتلوها ويرنمها الموارنة في يوم الجمعة العظيمة وتتهدّد صهيون بأنها «ستحرث»، وأورشليم ستتحول رجمة، والهيكل الى الخراب:

في الصفحة 24 وفي قراءة من نبوءة دانيال (9 /20-27) الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، يأتي المسيح «الرئيس» وينكره شعبه ويقتله، أما هو فيبطل بموته العهد القديم (أي يسقط أساس العقيدة اليهودية) ويبتُّ لشعبه عهداً جديداً ابدياً». ويقرأ الموارنة خلال الرتبة هذه النبوءة التي يرد في ختامها النصّ الآتي: «وفي جناح الهيكل تقوم رجاسة الخراب» والى الفناء المقْضي ينصبُّ غضب اللّه على الخراب».

وتليها قراءة (هي أيضاً تُتلى خلال «رتبة سجدة الصليب يوم جمعة الآلام») وهي من نبوءة مِيخا (5/3-12) وفيها النص الآتي: «اسمعوا هذا يا رؤساء آل يعقوب وحكام آل إسرائيل الذين يمقتون العدل ويعوِّجون كل إستقامة، الذين يبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالإثم. إنما رؤساؤها يحكمون بالرشوة، وكهنتها يعلّمون بالأُجرة، وانبياؤها يتخذون العرافة بالفضّة، ويعتمدون على الرب قائلين: أليس الرب في وسطنا؟ فلا يحلُّ بنا شرّ! لذلك ستُحرثُ صهيون بسببكم، كحقل وتصير أورشليم رجماً وجبلُ البيت مشارف غاب».

وفي قراءة ص 25: فصل من «أخبار آبائنا الرسل الأطهار» (25/ 13-27 ثم 27+26/ 1) نقرأ كيف أنّ الروماني «فستس» يتهم مباشرة كبار القوم اليهود بالتآمر على المسيح والحضّ على قتله. ونقرأ: «ولما كنتُ في أورشليم عرض عليّ رؤساء الكهنة وشيوخ اليهود، طالبين القضاء عليه. فأجبتهم أنه ليس من عادة الرومانيين أن يدفعوا الى الموت أحداً».

وفي ترتيلة «يا شعبي وصحبي» (ص 37) التي ينشدونها مع زيّاح الصليب، يتهمون بلسان السيّد المسيح ، اليهود بأنهم لا يلتزمون بالعهود: «أين العهد الإيمان؟ أين الوفاء» و «أما تنكرون الجميل؟».

وفي ص 49 يتكرّر الإتهام المباشر للصهاينة: «وبنو صهيون حمّلوه خشبة العار».

وفي الصفحة 51 يرتلون في «طلبة الآلام» بلسان السيّدة مريم العذراء ما يتهم اليهود بالنطق بالدسيسة والكلام الذي يوازي سُم الأفاعي: «طوّلوا ألسنتهم وسُم الصلّ فيها» (...).