حرّكت المبادرة التي ارتأى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الأسبوع الماضي وفي خضم الانشغال بالانتخابات البلدية طرحها على الطاولة، المياه الرئاسية الراكدة، وان كانت لن تؤدي غرضها بوضع حد للأزمة المتمادية منذ عامين. فاذا بمسعى عين التينة يشجع الفرنسيين مجددا على تشغيل وساطاتهم الدولية الى حد تلويح السفير الفرنسي ببيروت ​إيمانويل بون​ بالسعي لعقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان لتخطي أزماته، ليُسارع بعد أقل من 24 ساعة لسحب موقفه معتبرا أنّه قد يكون فُهم خطأً.

ولم يقتصر الحراك الرئاسي على الداخل اللبناني، اذ بدت لافتة الزيارة التي قام بها رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ الى باريس حيث التقى الرئيس الفرنسي ​فرنسوا هولاند​ ليخرج بعدها مؤكدا استمرار دعمه لرئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ لرئاسة الجمهورية، وهو ما قرأ به مراقبون اقرارا بعدم القدرة الفرنسية على اجتراح حلول ومبادرات جديدة، وبالتالي رضوخ اضافي للمراوحة القاتلة التي تكبّل الملف الرئاسي. وفي هذا السياق، قالت مصادر مقربة من الرابية ان تجديد الحريري تمسكه بفرنجية بعد ساعات من "انتصار" رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون بمعركة جونية انما "محاولة لرفع معنويات رئيس تيّار "المردة" الذي خفّت أسهمه الرئاسية الى أدنى مستوياتها بعد قراره التمترس في المعسكرات المواجهة لميشال عون، وخسارة المعركة ناسفا بذلك كل حظوظه من خلال قطعه آخر شعرة كانت لا تزال تجمع بنشعي بالرابية". وتشير المصادر الى أن العماد عون "كان بصدد البحث بعقد لقاء مع فرنجية الا أنّه وبعد مجريات معركة جونية بات الأمر مؤجّلا، كما أن التراجع لصالحه رئاسيا من سابع المستحيلات"، مستهجنة "المسار التصادمي الذي قرّر فرنجية سلوكه، على اعتبار أن الجمهور العوني الذي كان بفترة من الفترات يرى فيه زعيما مستقبليا بات يتعاطى معه حاليا كخصم سياسي لدود".

وبعكس فرنجية، فقد نجح رئيس المجلس النيابي باستمالة العونيين من خلال المبادرة التي طرحها أخيرا وتقضي باجراء انتخابات نيابية مبكرة على ان تليها مباشرة ​الانتخابات الرئاسية​، وهو طرح سابق سوقته الرابية الا أنّه لم يلقَ تجاوبا. وتقول مصادر مطلعة على حراك عين التينة ان "بري نفسه غير مقتنع تماما بامكانية السير بمبادرة مماثلة نظرا لعدم القدرة على أخذ ضمانات من الفرقاء السياسيين باللجوء مباشرة الى المجلس النيابي المنتخب لتسمية رئيس، وهو ما يعيدنا للدوران في الحلقة المفرغة التي لن يكون فيها حتى حكومة قادرة على ادارة البلاد ولو بحدودها الدنيا". وتضيف: "الأمور قد تختلف في حال تم اللجوء الى سلّة متكاملة تتضمن الرئاسة وقانون الانتخاب والانتخابات، وهو أمر لا يزال يعارضه تيار المستقبل الذي يصر على أولوية وضع حد للشغور الرئاسي".

وتشير المصادر الى ان الهدف الرئيسي لبري من طرح مبادرته هذه اعطاء نفس اصطناعي للملف الرئاسي الذي دخل في كوما غير مسبوقة، وتحريك المياه الراكدة كما ممارسة نوع من الضغوط الايجابية لحث الفرقاء السياسيين على العودة لزمن التفاوض الداخلي لملاقاة الحلول الخارجية، التي يبدو انّها ستطول مع تعثر العملية السياسية في سوريا، بحد أدنى من التفاهم اللبناني-اللبناني على ملامح المرحلة المقبلة.

وبحسب المصادر، فقد أعادت التطورات الأخيرة وأبرزها الانتخابات البلدية، خلط أوراق المرشحين الرئاسيين، لتتصدر ورقة عون السباق تليها ورقتا قائد الجيش العماد جان قهوجي والوزير السابق جان عبيد، بعدما شارف حاكم مصرف لبنان على الخروج من السباق نهائيا على خلفية الهجوم الذي تعرض له من حزب الله المستاء من اتجاه المصارف اللبنانية لتطبيق العقوبات الأميركية بحزم ومن دون بذل أي جهود تُذكر للتخفيف من وطأتها.

بالمحصلة، قد يبدو السيناريو الأكثر أرجحية للتعامل مع الأزمة، هو استمرار الفراغ الرئاسي عاما اضافيا وصولا لموعد الانتخابات النيابية التي ستفرض نفسها أمرا واقعا بعد اتمام الاستحقاق البلدي، فتحصل بقانون الستّين او سواه، على أن يحسم نبض البرلمان الجديد هوية الرئيس المقبل.