اكثر الكلام خطورة على لبنان واللبنانيين ما نسبه وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الى الامين العام للأمم المتحدة ​بان كي مون​ حول النازحين السوريين وفيه "يحتاج اللاجئون الى التمتع بوضع يسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط لمستقبلهم وعلى الدول المستفحلة ان تمنحهم وضعا قانونيا، وان تدرس اين ومتى وكيف تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنس".
اليوم تبدلت لهجة خصوم التيار "الوطني الحر"، وخاصة بعض الذين ينتمون الى قوى الرابع عشر من اذار، من اتهام هذا التيار بالعنصريّة عندما نبّه الى خطورة تدفق النازحين السوريين، وسلوك المنظمات الدولية، الذي كان يوحي بوضوح الى اهتمامه بالنازحين على حساب المصلحة الديموغرافية للبنان، وقولهم ان الحديث عن توطين هؤلاء هو "فزّاعة"، الى التشكيك بوزير الخارجية جبران باسيل، وهو ورد على لسان النائب مروان حماده الذي قال "هذا الامر غير معقول وفي غير محله. اذا كانت هناك وثيقة في الامر ففضيحة للأمم المتحدة، واذا لم تكن متوافرة، ففتشوا عن التحريف وربما التزوير، وعندها تكون فضيحة للبنان".
اما وزير العمل ​سجعان قزي​ فاعتقد ان "بان كي مون هو هنري كيسينجر جديد يحضّر لحرب جديدة في لبنان لكن سنخوضها من خلال الموقف اللبناني الموحد فلبنان سنة 2016 غير لبنان عام 1957".
تشير مصادر نيابية وسياسية ان ما قاله الوزيران يعكس الهوة الكبيرة بين المكونات السياسية اللبنانية لمعالجة هذه الازمة التي يعتبرونها اخطر وأشد من الازمة السياسية والرئاسية والدستورية التي يواجهها لبنان.
وترى هذه المصادر ان خليّة الأزمة الوزارية المكلّفة معالجة هذا الملف برئاسة رئيس الحكومة ​تمام سلام​، ليست بمستوى الحدث، والمطلوب اجتماع على مستوى القيادات السياسية يجمع كلاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ورئيس تكّتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، والرئيس السابق للجمهوريّة ​أمين الجميل​، ورئيس حزب "القوات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​، ورئيس تيّار "المستقبل" ​سعد الحريري​، ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب ​وليد جنبلاط​، يخصص حصرا للتوقيع على وثيقة واضحة ولا لبْس فيها، وإرسالها الى الامين العام للأمم المتحدة، تؤكد رفض لبنان لبقاء النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية، وبرفض توطينهم تحت أي ظرف من الظروف، والبدء بإعادتهم الى بلادهم، خاصة في المناطق التي اصبحت آمنة، وذلك قبل فوات الأوان.
وتؤكد المصادر ان التهاون من قبل الدولة اللبنانية حيال هذا الملف، سواء بتسليمه الى لجنة وزارية، او بسجالات المسؤولين السياسيين حول نوايا بان كي مون، سيؤدي الى زعزعة التكوين الديموغرافي والسياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي للبلاد.
وتلاحظ هذه المصادر ان تجاهل الدول الكبرى والعواصم الإقليمية والعربية للازمة الرئاسية في لبنان، يمكن ان يعمم في اتجاه تجاهل هذه الدول لمساعدة لبنان على حل أزمة النازحين السوريين.
واكدت المصادر نفسها ان فشل الحكومة اللبنانية بتنظيم هذا الوجود السوري، سواء في مجالات العمل او التنقّل، يجعلها غير قادرة على مواجهة المنظمات الدولية التي تعمل وترغب في بقائهم على الأراضي اللبنانيّة.
وتضيف المصادر ان الأخطر من هذا كله الدور الأمني الذي يمكن ان يلعبه هؤلاء خصوصًا وان من بين المليون ونصف او اكثر من النازحين، حوالي مئتي الف من العسكريين الذين أدّوا خدمتهم العسكرية في الجيش السوري، اي ان باستطاعتهم حمل السلاح في اي لحظة يَرَوْن فيها ان اللجوء الى هكذا وسيلة، يمكن ان يعزز التصاقهم وتواجدهم في لبنان، لا سيّما وان الانقسام الطائفي والمذهبي لا يزال على أشده.
وتحذر المصادر القوى المسيحية المتصارعة على رئاسة الجمهورية ان تكرر ما فعلته عندما وافقت على اتفاق القاهرة، وصوتت الى جانب إقراره في المجلس النيابي دون الاطّلاع عليه، باستثناء العميد ريمون ادّه، وذلك في إطار الصراع حينها على الرئاسة، هذا الاتفاق الذي شرع حرية العمل العسكري للفصائل الفلسطينية، وأدّى الى الحرب اللبنانية. كما تنبه هذه المصادر القوى المسيحية من مغبة القبول بأي طرح او الرضوخ لضغوط دولية او عربية او إقليمية تحول دون عودة السوريين الى بلادهم.
وتخلص المصادر بالتمنّي ألاّ يكون التلهّي بالصراع القائم حاليا في من يتقدم على من بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية، مقدّمة او تمهيدا كي يصل اللبنانيون الى حائط مسدود عندما يحين موعد معالجة هذا الملف الشائك والخطير.