علمنا تاريخ العلاقات بين الدول الكبرى في منطقتنا العربية ان اي اتفاق او تسوية بين الدول النافذة لن يكون في مصلحة شعوب المنطقة، بل ان نتائج اي اتفاق ستولد على حساب الشعوب والاوطان الرافضة للانصياع والتبعية، وبناءً عليه فان فلسطين وشعبها مع القوى المقاومة في المنطقة هم اول المتضررين من اي اتفاق بين الدول الكبرى.

المشهد الدولي بشأن الازمة السورية تشوبه الضبابية والتعقيد برغم وجود اتفاق أميركي روسي على الخطوط العريضة بضرورة ايجاد حل سياسي في سوريا، الا ان ترجمة تلك الخطوط والدخول بتفاصيلها ترجم خلافاً ​روسيا​ً أميركياً بدءاً من تصنيف بعض التنظيمات في سوريا بين ارهابية او معتدلة وبين مشارك وغير قابل للمشاركة في محادثات جنيف للانضواء تحت المظلة الدولية للمشاركة والولوج بالحل السياسي في سوريا.

أميركا وحلفاؤها ترفض حتى الساعة اطلاق صفة الارهاب على التنظيمات التي تراها سوريا وروسيا العائق الرئيسي امام نجاح اي حل سياسي.

الناطق باسم البنتاغون يدلي بتصريح جاء فيه ان أميركا ادرجت تنظيم داعش ومتفرعاته في ليبيا والسعودية واليمن على لائحة الارهاب، لكن أميركا لم تدرج داعش ومتفرعاته في سوريا والعراق على لائحة الارهاب، وكأن الارهاب مسموح في سوريا ومرفوض في بلدان اخرى.

وتستمرّ أميركا وحلفائها بتقديم الدعم لتلك التنظيمات الارهابية التي باتت تشكل راس حربة في تنفيذ الرغبة الأميركية الاسرائيلية السعودية التركية القطرية الهادفة الى ابقاء سوريا مشتعلة تمهيداً لانهيار الدولة السورية وتفتيتها.

ولمنع تحقيق اي انتصار ساحق للجيش العربي السوري في الميدان العسكري، عملت اجهزة المخابرات في كل من الدول المذكورة اعلاه على اعادة احياء العمل في غرفة العمليات المسمّاة (موك) في الاردن (Military operating Services) والتي تضم خبراء وضباط مخابرات من كل من السعودية وقطر وتركيا وحتى اسرائيل.

تصريح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي بشرنا فيه بقيام أميركا وروسيا بعمليات جوية مشتركة ضد التنظيمات الارهابية في سوريا سرعان ما نفاه ورفضه الناطق باسم البنتاغون الأميركي.

أميركا تمارس عملية ابتزاز محاولة القيام بمحاصرة روسيا عبر نشر الدرع الصاروخي في كل من بولونيا وبحر البلطيق وحتى تركيا، اضافة الى استمرار العقوبات الاقتصادية عليها بسبب الازمة الاوكرانية وجزر القرم مترافقاً مع تدن في اسعار النفط.

إسرائيل تطالب بجائزه كبرى من اي اتفاق روسي أميركي بشأن حل الملف السوري والا لن يكون، فالجائزة الكبرى التي تطلبها اسرائيل هي طمس ​القضية الفلسطينية​ والقضاء على حركات المقاومة وحزب الله في طليعتها.

المملكة العربية السعودية تبدي استعدادا مريباً باعادة صياغة بنود المبادرة العربية التي اقرت في مؤتمر قمة بيروت العربية 2002 بما يخدم اسرائيل على الشكل التالي:

- اولا اسقاط بند حق العودة للفلسطينيين من المبادره العربية.

- العمل على توطين الفلسطينيين حيث هم.

- عدم المطالبة بالانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967 وخاصة من الجولان المحتل.

المملكة العربية السعودية متلطّية بالحلف الاسلامي تتزعم حركة الاتصالات مع الاسرائيلي الذي صار حليفاً ولم يعد عدواً بحجة الترويج للمبادرة العربية (المعدّلة حسب مصلحة اسرائيل) على الاسس التالية:

- تحويل الانظار والبوصلة نحو التحشيد المذهبي والطائفي ونصب العداء ضد ايران بهدف تأمين سطوتهم على المنطقة من خلال التعاون مع اسرائيل.

- دعم التنظيمات الارهابية في المنطقة وسوريا بهدف استنزافها وتدميرها وتفتيتها.

- ضرب اي شكل من اشكال المقاومة في المنطقة والقضاء عليها.

- العمل على اسكات كل وسائل الاعلام الداعمة للمقاومة المرئية والمسموعة والمكتوبة.

- تهيئة الاجواء والمناخات في المنطقة لتمرير عملية اهداء اسرائيل الجائزة الكبرى من دون اي مقاومة او اعتراض.

بين الابتزاز الأميركي ومحاولة اسرائيل الحصول على الجائزة الكبرى والتفريط العربي بفلسطين نرى انه لم يبق في جعبتنا الا خيار الاستمرار بالصمود والمقاومة لكسر راس الحربة في المشروع الأميركي الاسرائيلي السعودي التركي مهما كانت التضحيات.

من المؤكد ان روسيا لا تهتم كثيراً باستعادة فلسطين لكنها مهتمة جداً بعدم وصول الارهاب المدعوم أميركياً وعربياً الى روسيا خاصة انه سبق لها ان اكتوت بناره. وبناء عليه ستجد روسيا نفسها مضطرة لاعادة زخم الدعم العسكري للجيش العربي السوري بوتيرة عالية اكثر من السابق.

الاستفادة من الدعم الروسي امر مهم لكن يجب ان ندرك انه مع الدعم الروسي او بدونه لم يبق من خيار امام قوى المقاومة في المنطقة وبقيادة سوريا الا قرار خوض معركة حاسمة وحتى النهاية بهدف الحفاظ على سوريا ووحدتها وتمكينها من القضاء على راس الحربة في المشروع الأميركي السعودي الاسرائيلي للحؤول دون حصول اسرائيل على الجائزة الكبرى.