فرض آل الحلو إيقاعهم في بلدية جزين. فعلوها بدمٍ بارد. رسموا في جزين الطريق الى سابقةٍ عنوانُها العريض: فوز لائحة بغالبية أعضائها وخسارة رئيسها بتشطيبٍ مُمنهج. فعلها آل الحلو تحديدًا في عين مجدلين. صندوقان بالكاد ورد فيهما اسم خليل حرفوش شكّلا كل الفارق بتوقيع العائلة الأكبر في جزين وعين مجدلين. صندوقان تُضاف اليهما تساؤلاتٌ وهواجس عن حقيقة التزام القواتيين وأنصار إدمون رزق مع تراكم المؤشرات التي قد تشي بخلاف ذلك.

حتى ساعات فجر اليوم الأولى كان خليل حرفوش، رئيس لائحة “نحنا لجزين” فائزًا ببضعة أصواتٍ لا تتجاوز الأربعة عشر رغم أرقام صندوقي عين مجدلين المُرعبة. في فترات الظهيرة تبدّلت الحكاية، وراح الجزينيون يتناقلون خبر فشل حرفوش في تجاوز أقرب منافسه وخسارته بفارق صوتين فقط. زاد تشاؤم مناصري الرجل عندما قرؤوا على صفحته على “الفايسبوك” عبارةً تشذّ عن مظاهر الاحتفالات التي عجّ بها “حائطه”: “لم يُحسَم الأمر بعد إذ يبدو أن النتائج تتبدّل”. أراد الرجل تلقّف الخبر السيّئ لإخراس الشمّاتين فسبقهم الى إعلانه بصورةٍ غير مباشرة وفهم في قرارة نفسه أن في الأمر “إنّ”، وأنّ مفعول آل الحلو كان قاسيًا عليه شخصيًا وعلى ثلاثةٍ من زملائه على اللائحة ممن خسروا لصالح آخرين من لائحة “الإنماء أولاً” المدعومة من المحامي ابراهيم عازار. فما حقيقة ما حصل؟

صوتان... لا أكثر

تلك الساعات التي فصلت فجر الأمس عن ظهيرته حملت طعنًا تقدّمت به اللائحة المنافسة اعتراضًا على إلغاء 23 ورقة من الأصوات في عين مجدلين والسبب أنها “لمّاعة”، وبعد البحث في الموضوع أعيدت إضافة اللوائح لتنجلي خسارة حرفوش بفارق صوتين عن أقرب منافسيه في لائحة “الإنماء أوًلاً”، خصوصًا أن حرفوش في صندوقي عين مجدلين واجه تشطيبًا جنونيًا وضعه طوال عملية الفرز في مراكز متأخرة قبل أن يقصيه على ما يعترف حرفوش نفسه لـ”البلد”.

خاصرة جزين

لم يكن غريبًا على حرفوش وأنصار التيار ما حصل تحديدًا في عين مجدلين التي تحتضن من آل الحلو ما يكفي للتلاعب بكفة الميزان. ففي تلك القرية التي تُعتبر خاصرة جزين طُعِن التيار الوطني الحرّ بشخص رئيس لائحته لا بكاملها بعدما كان شبه وعدٍ بالتصويت للائحة كاملة انسجامًا مع توجّه أهلها السياسي، بيد أن الخيار النهائي صبّ في خانة إيثار اللائحة المشطّبة التي اعتمدتها غالبية ساحقة من آل الحلو كما وعدت نفسها والرابية علنًا من دون أن تخجل من الاعتراف بالأمر أو أن تسعى الى تنفيذه في الخفاء وبخفر.

صدارة مفاجئة!

ما كان متوقعًا من آل الحلو المعترفين بفعلتهم والمصرحين عنها لم يكن كذلك مع القواتيين ومناصري إدمون رزق وكميل سرحال. فغداة إعلان النتائج كان همسٌ صريح بشيفرةٍ يمتلك جوابَها القواتيون وحدهم، وهو الهمس الذي عززه رسوب حرفوش ظهر الأمس ليغدو بعده التساؤل مجاهرةً حلالًا: لمَ سيحلّ مرشحٌ قواتي في المركز الأول وزميلٌ له في مراكز متقدمة وهو ما لا يمكن للقواتيين أن يحلموا به في جزين إذا ما ترشحوا فرادى؟ ولمَ سيسبق مرشحا إدمون رزق مرشّحي التيار الذين حلوا في مراكز متوسطة ومتأخرة في اللائحة الفائزة؟ ولمَ سيحلّ مرشّح حزب الوعد ثانيًا علمًا أن بين حزبه وبين القوات عداوةً تاريخية تفترض في المنطق تشطيب أحدهما للآخر؟

هل شطّب القواتيون؟

كلّ تلك التساؤلات تبقى بلا إجابات حاسمة بل مجرد تحليلاتٍ مقرونةٍ ببعض الأرقام التي تقول صراحةً إن بين فائز القوات وهو متصدر اللائحة (سامر عون) وأقرب فائزي التيار الوطني ما لا يقلّ عن مئتي صوت، ما يعني أن بعض أبناء القاعدة القواتية (كي لا يُظلم الملتزمون منهم) لجؤوا هم أيضًا الى خيار التشطيب ليحفظوا لأنفسهم مكانة في اللائحة، وهو ما فعله أيضًا مؤيدو إدمون رزق وداعمو كميل سرحال الذين يُقال أنهم التزموا بلائحة آل الحلو التي تقوم في فكرتها الأساسية على تشطيب اسم خليل حرفوش أولاً وثلاثة آخرين من لائحته محسوبين على التيار وتحديدًا على النائب زياد أسود. ولكن ليس من باب التلطيف بقدر ما للثقة دورٌ في تمتين تحالفهما، يستبعد معظم العونيين فرضية تشطيب القواتيين لزملاء على لائحتهم، مؤثرين الحديث عن سيناريو آخر فرض نفسه مفادُه أن بعض القواتيين من الملتزمين مع عازار عائليًا وأخلاقيًا، حاروا في أمرهم بين انتمائهم العائلي والتزامهم الحزبي، ما دفعهم الى تشطيب اسمين من لائحة عازار واستبدالهما بالاسمين المُدرَجين على لائحة “نحنا لجزين” وهو ما جعل الفارق واضحًا لصالح مرشحَي القوات، في وقتٍ كان مرشحو التيار يُشطبون من قبل آل الحلو بإيعاز من غازي الحلو.

انسحاب أم استمرار؟

اليوم وقد اتّضح أن خرق التيار أتى من كل الجهات، تبقى كل السيناريوهات لما ستكون عليه بلدية جزين مطروحة وقابلة للبحث، وإن كان أحد هذين السيناريوهين هو الأوفر حظًا: فإما أن يرتضي التيار بالنتيجة وينتخب رئيسًا من بين أعضاء اللائحة الناجحين طاويًا صفحة حرفوش ومرتقيًا بعنوان إنماء المنطقة وتعزيز مكانتها السياحية والاقتصادية وهو ما يتطلب الحدّ الأدنى من التجانس بين أعضاء البلدية الفائزة، وإما أن ينسحب أعضاء التيار والقوات الفائزون وهو سيناريو غير بعيد على ما علمت “البلد”، على أن ينتظر هؤلاء مُجالسة العماد ميشال عون أو في أحسن الأحوال حصولهم على كلمة السرّ من الرابية ومعراب معًا وفق التزام ثنائي أخلاقي بالمتابعة أو بالانسحاب لفرط عقد البلدية والسعي الى انتخاباتٍ جديدة تكون فيها الحسابات مختلفة هذه المرة.