الانتخابات البلدية كانت ما ينقص المشهد السياسي اللبناني الذي لم يعرف الاستقرار ولم يشهد الا على الانقسامات وحيث ان الانتخابات فرقت ما جمعه الدهر وانتجت تفاهمات او تحالفات انتخابية تفوق التصور، فسقطت تفاهمات سياسية على ابواب البلديات وتم احياء عصبيات عائلية وحزبية وعشائرية حيث يلزم الامر، وتحالف الحلفاء في مناطق واختلفوا في اخرى وتحالف الاخصام مع بعض حيث يلزم وتقتضي الضروروة الانتخابية. وهذا المشهد تقول مصادر متابعة الذي اصاب الجميع بدون استثناء كان من الطبيعي ان يربك كلاً من 8 و14 آذار اللذين دخلا في غيبوبة انتخابية ولم يعد احد يسمع بها في همروجة الانتخابات، ففوز ميشال عون مثلاً في جونية لم يحسب الا على الرابية تحديداً ولم يوضع في تصرف 8 آذار وفوز المستقبل في بيروت لم يوضع في تصرف لـ 14 آذار، فالانتخابات البلدية شكلت خليطاً متناقضاً تداخلت فيه عوامل السياسة والعوامل العائلية والحزبية الضيقة والظروف المناطقية فما يصح في بيروت لا يجوز في البقاع، وما حصل في المتن وجبل لبنان لا ينطبق على الشمال، وهكذا تشتت التحالفات والتفاهمات وتاه كل من 8 و14 آذار او دخل في الموت السريري الذي توقعه رئيس المجلس النيابي للاصطفافات السياسية قبل الانتخابات البلدية فخاض المستقبل مواجهات انتخابية مع التيار الوطني الحر ضد القوات ومعها في مناطق اخرى وتحالف التيار مع 14 آذار في مناطق وبلديات معينة، تماماً كما اختلط «الحابل بالنابل» عندما رشح تيار المستقبل سليمان فرنجية، فيما رشحت القوات ميشال عون وعندما اضحى فرنجية وعون مرشحين خصمين للرئاسة بعد تحالف متين وثابت وقوي .

مشهد «ثورة الارز» لم يعد يشبه نفسه ابداً تضيف المصادر، فزعيم المستقبل سار بترشيح احد صقور فريق 8 آذار والشخصية السياسية الاكثر التصاقاً بالنظام السوري ألد اعدائه، وزعيم معراب عندما شعر بالغدر من حليفه الازرق لاختياره المرشح الاكثر ازعاجاً لمعراب للخصومة التاريخية بين بنشعي ومعراب ذهب للتحالف مع الرابية.

فالواقع كما تقول المصادر ان 14 آذار لا تزال تعيش هول وصدمة قرار الحريري بتبني ترشيح فرنجية، فالتسوية التي طرحها سعد الحريري للمجيء بسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية قلبت المقاييس وغيرت الكثير من المعادلات في الداخل، فالحريري الذي تبنى مرشحاً من فريق 8 آذار تسبب باشكالية داخل فريقه الآذاري وتيار المستقبل بعدما هاجمت قيادات اساسية زعيم المستقبل وكذلك تسببت التسوية بصدمة لحليفه المسيحي، والحال لم يكن افضل لدى 8 آذار بعد الخيبة التي اصابت رئيس الاصلاح والتغيير من ترشيح فرنجية وشعوره بالغدر من اقرب الحلفاء اليه. اما وقد حصل ما حصل في موضوع الرئاسة، فان الامور لم تصطلح داخل الفريقين، وكل فريق يحاول ترتيب وضعه الداخلي وترميم ما حصل من تصدع داخل اروقة وجدران منزله.

وبالمقارنة بين ما حصل في 8 و14 آذار يمكن القول كما تقول المصادران فريق 8 آذار تجاوز الى حد ما ومعقول ازمة ترشيح فرنجية وان كانت علاقة المردة والتيار الوطني الحر اصيبت باضرار بالغة تصعب معالجتها بسرعة وهي ربما باقية على حالها لامد طويل وقد ظهرت مفاعيلها في انتخابات جونية وسوف تتكرس في انتخابات الشمال، فيما تبدو حال 14 آذار مأساوية ودراماتيكية خصوصاً ان الضربة الرئاسية لا تزال تفعل فعلها واتت من سعد الحريري رأس حربة 14 آذار وكل محاولات الانعاش او الترقيع لا تجدي في تمرير ترشيح فرنجية واقناع الآذاريين بها تحت عناوين العودة الى الحكم والمشاركة بالقرار او قانون الانتخابات الذي يريح 14 آذار او اي عروض مهما تنوعت ، وهذا ما يفسر حالة الحذر لدى معراب وقيادات 14 آذار خصوصاً ان الحريري لا يزال يواجه بصمت حملات من داخل فريقه السياسي مناوئة لقراره ومن قيادات من الصف الاول في المستقبل، يبدو ان الحريري فقد السيطرة عليهم وقطع علاقته بهم على غرار الوزير اشرف ريفي والنائب خالد الضاهر المعلقة عضويته في المستقبل وبات ضيفاً على شاشة الـ «او تي في «يطالب بميشال عون رئيساً.

على ان الحريري مستمر بالمعالجة ولملمة شظايا مبادرته الصادمة لدى حلفائه على حد قول المصادر، فالحركة المكثفة باتجاه معراب لم تسهم في ترطيب الاجواء وفي نيل بركة جعجع او موقف بغض النظر عن التسوية الرئاسية، وحيث ترى المصادر ان موقف معراب على حاله في الموضوع الرئاسي او التعويضات وما ستحققه 14 آذار من مكاسب العودة الى الحكم والقرار السياسي ولا تزال القوات تلوح بورقة ميشال عون في حال اكمل الحريري المشوار الى بنشعي، فما بين عون وفرنجية الاسهل والاقرب الى المنطق ان تتبنى القوات ترشيح عون الذي وقعت معه اتفاق النوايا والذي ترتبت العلاقة معه منذ بضعة اشهر بدون اي اشكالية...

وترى المصادر ان الحريري الذي غادر العشاء السعودي في سيارة واحدة مع العميد السابق شامل روكز فيما حرص في العشاء نفسه على تجاهل ميشال عون ربما يحضر لاي قرار مفاجىء بعد تبلور الصورة الاقليمية للموضوع الرئاسي، وبدون شك فان تركيز الحريري في الوقت المستقطع والضائع على حلفائه وتيار المستقبل وعلى مصالحة الاخصام السياسيين كما حصل مع الرئيس نجيب ميقاتي لتمرير انتخابات بلدية طرابلس بعد نكسة بلدية بيروت وعدم قدرة المستقبل على رفع التصويت، وللتحضير للعودة الآمنة الى السراي، فالحريري تلقى ضربات موجعة من داخل بيته وفريقه السياسي بعد ان قام بتقديم جائزة «اللوتو» لفريق 8 آذار بترشيح فرنجية ولا يزال يدفع ثمنها تحت عنوان العودة الى السلطة.

يدرك الحريري تقول مصادر مقربة منه، انه قادر على المعالجة، هي ليست المرة الاولى التي يخطو فيها خطوات اكبر من حجمه وقدرة جمهوره على التكيف وتقبلها، اقسى تلك الخطوات كانت زيارة سوريا عام 2009، ومن ثم الانفتاح على عون وتسويق رئاسته وقطع قالب الحلوى له بعيده الثمانيني قبل ان يعدل من جديد. في حسابات الحريري انه قادر على الحسم وادارة الدفة من جديد، سبق لاحمد الحريري ان توعد بالدم في حال لم تمر الرئاسة ورفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت الشيخ» بعد نزول اسياد الشارع في طرابلس ضد الحريري.

والسؤال ماذا عن الخطوة المقبلة وهل سيكمل الحريري مشروعه بتسمية فرنجية ويقوم بترويض شارعه وقياداته في هذا الخيار، خصوصاً انه على قناعة تامة بترشيح فرنجية متسلحاً بقبول السعودية له، ام ينكفىء الى الوراء مخلفاً عاصفة ويسير في خيار عون خصوصاً ان مواقف السفير العسيري لا تصب في خانة مصلحة ترشيح فرنجية؟