الأحد 29 أيّار، تُنظّم الجولة الرابعة والأخيرة من الإنتخابات البلديّة والإختياريّة في محافظتي الشمال وعكار، لتُسدل الستارة على أوّل منافسة ديمقراطيّة في لبنان منذ العام 2010. لكن هذه المُمارسة الصحّية لحقّ الإنتخاب، لم ولن تمرّ من دون رضوض وخضّات على المُستوى السياسيّ، خاصة في ظلّ تبدّل للتحالفات وللتموضعات في صفوف أكثر من فريق. فما هي أبرز معارك "كسر العظم" المُتوقّعة يوم الأحد المُقبل؟
أوًلاً: في تنّورين تلوح أجواء معركة قاسية بين لائحة بإسم "تنورين بتجمعنا" مدعومة من تحالف "التيار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة"، ولائحة أخرى بإسم "قرار تنورين" مدعومة من النائب ​بطرس حرب​. ويُمكن القوّل إن "السيناريو" الذي حصل في دير القمر، عندما رفض النائب دوري شمعون الإنضمام إلى التحالف مع "العونيّين" بمسعى "قوّاتي"، يتجه إلى أن يتكرّر في تنورين حيث يوجد نحو 12000 ناخب. فقد رفض النائب حرب أن يتقاسم حصّة البلدية مع كل من "القوات" و"العونيّين"، ما وضع الأمور أمام خيار من خيارين: إمّا فوز اللائحة المدعومة من النائب حرب وتثبيت زعامته المحلّية، وإمّا سُقوطها أمام اللائحة المدعومة من "التيار" و"القوات" ليتلقّى ضربة مُشابهة لتلك التي تلقّاها النائب شمعون في دير القمر. وفي حين يرغب "التيار" بتحجيم حرب سياسيًا، بسبب المنافسة الشديدة مع الوزير جبران باسيل على المقعدين المارونيّين في قضاء البترون، فإنّ "القوات" وجدت نفسها مُضطرّة لمنازلة حرب، علمًا أنّها تُريد بدورها تحجيم ما يُعرف بحالة "النوّاب المُستقلّين" التي يحتلّ النائب حرب موقعًا رياديًّا فيها، علمًا أنّ أغلبيّة هؤلاء النواب يدورون في فلك "تيّار المُستقبل" بشكل أو بآخر. ومنعًا للحديث عن إلغاء نفوذ عائلة حرب التي تتمتّع بحضور واسع في تنورين، حرص كل من "التيار" و"القوات" على أن تكون اللائحة برئاسة العميد المُتقاعد أيوب حرب.
ثانيًا: في القبيّات تلوح أجواء معركة قاسية أيضًا، بين لائحة بإسم "أهل القبيّات" مدعومة من تحالف "التيار – القوّات"، ولائحة أخرى بإسم "القبيّات بتقرّر" مدعومة من النائب هادي حبيش. ولا شكّ أن هذا الأمر يُشكّل - وكما حصل في تنورين أيضًا، تبدلاً جذريًا للتحالفات، بسبب الخلافات الكبيرة على حجم التمثيل. وبعد أن كانت "القوات" إلى جانب النائب حبيش في الدورة الإنتخابيّة الماضية، بوجه تحالف "التيار" و"الكتائب" والنائب السابق مخايل الضاهر، صارت "القوات" إلى جانب "التيار" ضد حبيش الذي حرص على إعلان اللائحة من منزل الضاهر القابع في العناية الفائقة بسبب المرض، مدعومًا من حزب "الكتائب". ومعركة ​القبيات​ تتجاوز مسألة إسقاط نفوذ النائب حبيش، لتطال بشظاياها النوّاب المسيحيّين الذين يُسميهم "تيّار المُستقبل"، مُستفيدًا من القدرة التقريريّة الكبيرة التي يمنحه إيّاها قانون الإنتخابات النيابيّة الحالي، لجهة تفوّق صوت الناخبين المُسلمين على صوت الناخبين المسيحيّين في العديد من الدوائر الإنتخابيّة، وذلك على حساب الأحزاب المسيحيّة التي يُفترض أن تقوم هي باختيار المُرشّحين إلى المناصب النيابيّة.
ثالثًا: في طرابلس تلوح أجواء معركة شديدة، قام رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ بإغلاق بابها عبر تشكيل لائحة إئتلافيّة مع كل من رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي، لتأتيه من الشبّاك الداخلي للتيّار الأزرق، عبر لائحة "الوفاق الطرابلسي" المدعومة من اللواء ​أشرف ريفي​. وفي حين حَاول النائب الحريري تجنّب المواجهة مع الشخصيّات الطرابلسيّة الأساسيّة، في إنتظار ما ستؤول إليه الأوضاع بالنسبة إلى قانون الإنتخابات النيابيّة، علمًا أنّه كان لتيار "المردة" دور مساعد في تقريب وجهات النظر في هذا التحالف الذي يضمّ ممثّلين عنه في اللائحة البلديّة المُرشّحة، دخل اللواء ريفي المعركة بلائحة مُقابلة، في محاولة لإظهار حجمه الشعبي في طرابلس من جهة، وفي محاولة للحفاظ على عصب القوى المُناهضة لرموز "8 آذار" في عاصمة الشمال. إشارة إلى أنّ قسمًا من أصوات الناخبين ستذهب أيضًا إلى لائحة ثالثة مدعومة من النائب السابق مصباح الأحدب الذي يحرص بدوره على إظهار شعبيّة ستُخوّله ربما حجز مقعد في لائحة قد تُعيده إلى مجلس النوّاب في المُستقبل. ومن بين الخيارات المتاحة أمام الناخبين لائحة رابعة بإسم "طرابلس 2022" تضمّ مجموعة من الشباب المُستقلّين الذين يأملون تكرار تجربة لائحة "بيروت مدينتي" في عاصمة الشمال. وبالتالي الأنظار ستكون شاخصة إلى طرابلس بعد إقفال صانديق الإقتراع في السابعة من مساء الأحد، لمعرفة حجم ولاء أنصار مؤيّدي "تيار المُستقبل" لكل من الحريري وريفي، مع ما ستتركه نتائج التصويت على موقع ريفي السياسي في المُستقبل، وعلى موقع الحريري في طرابلس.
رابعًا: في بشرّي، مدينة وقضاء، قرّر مُناهضو لوائح حزب "القوّات اللبنانيّة" تغيير "تركيبة" المنافسة التي إعتمدوها في الدورات السابقة، والتي لم تجلب لهم سوى الفشل. فاعتمدوا هذه المرّة لوائح لا تُنافس لوائح "القوات" من مُنطلق "عائلي" أو "إنمائي" أو "سياسي مُناهض"، بل لوائح تدّعي الإنتماء إلى "القوّات" وتضمّ "قوّاتيّين سابقين" على خلاف مع قيادة معراب، علمًا أنّه في أيّ مكان في العالم، عندما يختلف أيّ حزبي مع قيادته لا يعود من حقه إدعاء الإنتماء إلى الحزب المعني، بل عليه الإختيار بين الإستقالة الطوعية أو الطرد، وتشكيل حزب بمُسمّى آخر. ولو كان العكس صحيحًا، لوجب علينا اليوم مثلاً إعتبار الشيخ صبحي الطفيلي أمينًا عامًا لحزب الله، وأنصاره أفرادًا في "الحزب". من هنا، تأخذ المعركة في بشرّي أهمّية مُضاعفة، لأنّ محاولة إضعاف قيادة رئيس "القوات" ​سمير جعجع​ في عقر داره، تتمّ هذه المرّة من الداخل وبلباس "زيتيّ"، مع دعم خارجي كبير لكن غير ظاهر.
في الختام، قد يكون رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجيّة هو الوحيد الذي سيتفرّج على معارك الشمال الإنتخابيّة من دون توتّر، بعد أن أوكل إلى نجله طوني مهمّة رسم خرائط توزيع الحصص البلدية والإختياريّة مع رئيس "حركة الإستقلال" ميشال معوّض في خطوة "ذكية" جنّبته خطر مُواجهة معارك قاسية تزيد من عدد الرافضين لوُصوله إلى منصب الرئاسة. لكنّ هذا الأمر لا يعني أنّ الشمال سيكون هادئًا، إنّما سيشهد الكثير من المعارك الحادة التي ستترك آثارها على مجمل التحالفات السياسيّة، والتي ستعيد الحسابات بالنسبة إلى تحالفات الإنتخابات النيابية المُقبلة.