يُتِمّ ​الفراغ الرئاسي​ اليوم عامه الثاني، ليُسجل رقمَا قياسيَا لم يعرفه لبنان منذ استقلاله. ولعلّ الخطورة لا تنحصر بهذا الفشل المدوّي للطبقة السياسية الحاكمة العاجزة عن انجاز الاستحقاقات الوطنية المُلحّة، وعلى رأسها الانتخابات النيابية والرئاسية، انما تتعدّاه الى مؤشرات تؤكد أن هذا الفراغ طويل وسيتمدد، الا اذا كان هناك ما يُخطَّط أمنيًا للضغط باتجاه اتمام ​الانتخابات الرئاسية​، فيأتي الرئيس الجديد بعد هزة معينة وعلى "الحامي" للايحاء بأنّه "المخلص المنتظر".

واذا كان هناك من يرجّح سيناريو الضغط الأمني الذي سيؤدي لانتخاب رئيس خلال حدّ أقصاه نهاية الصيف المقبل، تؤكد مصادر مطلعة ان الأزمة اللبنانية ستتمدد حتى العام 2017 الذي تصفه بـ"عام الحسم"، فاما نشهد "انفراجات أو انفجارات كبرى"، لافتة الى ان "الحديث عن متغيرات ستطرق أبواب المنطقة ولبنان بوجه خاص العام المقبل، لا يعني انّها ستكون حلولا، فمن يدري اذا لم نكن على موعد مع مزيد من التعقيدات والتصعيد". وتربط المصادر اتضاح المشهد بتبلور الرؤية الأميركية للمنطقة والتي ستتكشف ملامحها مع الادارة الجديدة التي ستستلم دفة الحكم في واشنطن مطلع العام 2017.

وحتى ذلك الوقت، تجزم المصادر بأن المجلس النيابي الحالي وبتركيبته القائمة منذ العام 2009، لن يكون قادرا على انتخاب رئيس، مرجّحة حصول الانتخابات النيابية في موعدها بعد عام على أن يُصار بعدها لوضع حد للشغور الرئاسي المتفاقم.

ولا شك ان أسهم المرشحين الرئاسيين التي لم تعرف الاستقرار منذ العام 2014 لن تكون في الـ2017 كما هي عشية اتمام الفراغ الرئاسي عامه الثاني، خاصة في ظل التناقضات الكبرى التي طبعت المرحلة الماضية مع انسحاب رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ من السباق الرئاسي وترشيحه منافسه وخصمه السابق اللدود رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، بمقابل خروج رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ من دون مقدمات ولا مبررات لتبني ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ الصديق المقرب لعدوّه الأبرز الرئيس السوري بشار الأسد.

وان كان هذان الترشيحان خلطا في وقت من الأوقات الأوراق بشكل غير مسبوق فرفعا من أسهم عون في مرحلة ما الى مستويات غير متوقعة، ليعود ترشيح الحريري لفرنجية ليطيح بهذه الأسهم دافعا الأخير الى رأس لائحة المرشحين، لا شك أنّه وبعد استقرار الأوضاع وهدوء النفوس واتضاح المشهد، وان كان بشكل جزئي، فقد بات واضحا لقسم كبير من المراقبين أن حركة قطبي 14 آذار (الحريري وجعجع) والتي تندرج باطار الفعل وردات الفعل، ساهمت بزعزعة أساسات ترشيحي عون وفرنجية خاصة مع اتساع رقعة الخلاف بينهما وتحول علاقة التحالف والصداقة السابقة الى علاقة عداوة غير مسبوقة، ساهمت التكتلات البلدية الأخيرة بترسيخها وخاصة في جونية التي ذهب العونيون لحدّ اعتبارها معركة رئاسية مصغّرة، متحدّثين عن مالٍ أفريقي وما شابه ذلك.

ويبدو أن كل ما أشيع عن سعي سعودي لابعاد عون عن حليفه حزب الله من خلال التودد اليه وصولا لدعم ترشيحه شرط التخلي عن تحالفه معه، وهو ما كان سيُعد آخر وأقسى اجراءات الحصار المفروضة على الحزب، لم يخرج من اطار النيّات والأفكار المتداولة، والأرجح أنّه سيبقى كذلك مع مسارعة عون لقطع الطريق أمام أي طروحات أو مساعٍ من هذا النوع.

ولعل عودة النائب فرنجية لانتهاج سياسة الصمت في التعاطي مع الملف الرئاسي قد تعود بفائدة أكبر له من كثرة الكلام التي أدّت مفاعيل سلبية جدا في المرحلة الماضية، فكبّلت حظوظه الرئاسية مع تنامي النقمة العونية عليه.

وبعكس عون وفرنجية، آثر عدد آخر من المرشحين التزام الصمت منذ فراغ سدة الرئاسة لاقتناعهم بأن الضجة المحيطة في المنطقة وخاصة في سوريا كافية، وتستدعي الهدوء في لبنان، وكأنّهم كانوا يدركون أنّ مرحلة الصمت الانتخابي ستطول، ولعلّ أبرز هؤلاء الوزير السابق ​جان عبيد​ وقائد فوج المغاوير ​شامل روكز​ والعميد المتقاعد ​جورج خوري​، إضافة إلى آخرين قد توضع أسماؤهم على الطاولة في ربع الساعة الأخير الذي يسبق عملية الانتخاب حرصا على عدم احراق أوراقهم.

أما قائد الجيش ​جان قهوجي​، والذي ترنحت أيضا حظوظه مع كل حادث أمني سواء حصل قبل العام 2014 أو بعده، فلا يزال اسمه مطروحا وبقوة حتى وان كان لم يحظَ ببركة الرابية، خاصة اذا ما تقدم الخيار السابق ذكره عن ضغوط أمنية مرتقبة للدفع باتجاه حل الازمة، ليبقى اسم حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ في آخر اللائحة الرئاسية لاعتبارات كثيرة وآخرها اهتزاز علاقته بحزب الله على خلفية العقوبات الاميركية المصرفية.

بالمحصلة، قد تكثر التكهنات وتُخطىء بعض الحسابات، الا أن الثابت الوحيد هو غياب الضوء الأخضر الاقليمي–الدولي الذي يسمح للبنان بالانطلاق في "النفضة الكبرى المنتظرة". وحتى التماس بعض من هذا الضوء، قد يكون من الأجدى على المرشحين الرئاسيين الامساك بقوة بأوراقهم لأن حظوظهم في المرحلة المقبلة ستكون متساوية على أن يتم اختيار أحدهم تبعا للظروف ومستلزمات المشروع الذي سترسو عليه المنطقة.