بعد مرور عامين على ​الفراغ الرئاسي​، استقرت الامور على مرشحين لرئاسة الجمهورية هما رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة النائب ​سليمان فرنجية​، وكلاهما من فريق سياسي واحد.

اليوم دخلت القوى السياسية والنيابيّة في سجال جديد، حول ما اذا كانت الانتخابات النيابية هي قبل الرئاسية، ام بعدها، وتبدلت أولويات الكتل، بصرف النظر عن اصطفافاتها، بمعنى ان ثمة في قوى 8 اذار من يدعو الى انتخابات رئاسية اولا، وأخرى من قوى من 14 اذار ترى ان الانتخابات النيابية مدخل افضل لحل الازمة السياسية.

وفي ظل هذه الصراع لا تملك اي من القوى المتباعدة، خريطة طريق اذا ما افترضنا ان تفاهما ما حصل حول اي من وجهتي النظر.

واذا ما سلمنا جدلا ان ​الانتخابات الرئاسية​ حصلت قبل النيابية، وصار للبنان رئيس، فما الذي يمكن ان يفعله حيال الملفّات الاشكالية التالية:

اولا: كيف سيتعامل الرئيس العتيد مع قانون الانتخاب؟ وهل بإمكانه في ظل العجز الذي ظهر جليا في عدم توصل المجلس النيابي الحالي الى تفاهم حول قانون محدّد، يوفق بين الأصوات التي تنادي بقانون يحقق التمثيل الصحيح للمسيحيين، ويؤمن الميثاقية التي يعتبر فريق من المسيحيين انها العائق الأساس امام وضع البلاد امام السكة الصحيحة نحو الاستقرار، وبين الأصوات الرافضة التي لا تقبل بقانون يمكن ان يقلب التوازنات القائمة راهنا؟

ثانيا: ماذا يمكن للرئيس المقبل ان يفعل حيال الخلاف العمودي بين مكونات كبرى من الشعب اللبناني، حول معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي لا يزال حزب الله ومعه حليفته "حركة امل"، يصران على انها المعادلة الصحيحة لردع اي عدوان إسرائيلي ومحاربة التكفيريين، في الوقت الذي ترى قوى اخرى وفي طليعتها تيار "المستقبل" ان هذه المعادلة سقطت، وان الحكومة اللبنانية هي وحدها مسؤولة عن هذا الملف؟

ثالثا: هل سيخضع الرئيس للضغوط الأجنبية، رغم كل التوضيحات التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة وغيرها من دول غربية بأن لا توطين للنازحين السوريين، ويعمد الى تجنيس مجموعات منهم على دفعات كما فعل رؤساء سابقون مع جنسيّات اجنبيّة وعربيّة اخرى، ضمن تسويات تتداخل فيها المصالح الشخصية وتقسيم الحصص بين المسؤولين؟

رابعا: في غياب الوضوح الذي سترسو عليه الازمة السورية والتطورات في العراق واليمن، ماذا سيكون موقف رئيس الجمهورية المنتظر، اذا ما قررت الدول اجراء تغييرات على شكل الأنظمة القائمة وتطلّبت تغييرات مماثلة في لبنان؟

خامسا: كيف سيتصرف حيال العقوبات الأميركية الجديدة على "حزب الله" والتي لم تؤدّ ملامحها بعد الى توافق بين هذا الحزب ومصرف لبنان وعدد من المصارف، حول طريقة تطبيقها دون ان تلحق ضررا بالنظام المصرفي اللبناني وبمصالح اللبنانيين، ودون ان تتجاهل هذه العقوبات، مع ظهور معلومات مؤكدة ان المصارف لا تضمن لأي مودع بأنه يستطيع التصرف بأمواله، أي أن ينقلها ويحولها كما يشاء، وقد اصر احد البنوك على اضافة كلمة على إفادة لأحد العملاء، بأنه لا يضمن له هذا الحق، اي ان أموال جميع المودعين اللبنانيين رهينة ما يمكن ان يصدر من اتّهامات ضد أي منهم بأنهم يدعمون او يتعاونون مع حزب الله؟

سادسا: هل سيكون للرئيس اللبناني تصور واضح لوضع حدٍّ للفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة، والذي ظهر جليًّا في عهد هذه الحكومة التي تقول انها "حكومة المصلحة الوطنية"، بعد ان خبر اللبنانيون مراحل أزمة النفايات والكهرباء، واستخراج النفط والغاز؟

إنّ انتخاب اي رئيس للجمهورية، بغض النظر عمّن تكون هذه الشخصية التي ستسكن قصر بعبدا، لن تكون قادرة على حكم البلاد، اذا لم يكن انتخابها نتيجة تفاهم كل المكونات السياسية على عدد او بعض من هذه النقاط الاساسية، التي لا يعرف اللبنانيون حتى اللحظة موقف المرشحين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية الواضح والعلني منها، وإلا سيكون العهد الجديد امام شللٍ أخطر من الشلل الحاصل اليوم في كل المؤسسات، ومن هنا فإن الحديث عن تسويات لإنهاء الازمة الرئاسية، ليس سوى "طبخة بحص"، في سياق إلهاء اللبنانيين حتى تتضح تصورات الحلول في المنطقة.

في الخلاصة، يبدو أن القصر الرئاسي المهجور منذ سنتين، سينبت العشب على أطرافه ما لم تتدخّل دولة ما للضغط على لبنان ومسؤوليه على غرار ما فعله الغرب لجهة الانتخابات البلديّة والاختياريّة.