نشطت الاتصالات الاميركية-الروسية في الايام الماضية حول سوريا. تريد واشنطن ان تحقق غايات عدة من خلال طرد "داعش" من الرقة وسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة اميركيا والمرتكزة على القوات الكردية. لا مشكلة عند الروس في الخطوة الاميركية المرتقبة، لكن موسكو اشترطت في المقابل الحصول على موافقة أميركية لضرب "​جبهة النصرة​" في حلب وريفها تحديداً. تنطلق ​روسيا​ من عدم قدرة الأميركيين على السيطرة على الرقة من دون ضوء اخضر روسي. موسكو تريد ثمن الموافقة. استمهل الأميركيون قليلاً ووعدوا الروس بدراسة العرض، فتجمد التقدم في ريف الرقة بإنتظار حصول الصفقة بين موسكو وواشنطن.
بالنسبة الى الأميركيين فإن إقتلاع "داعش" من الرقة يعطي دفعاً للديمقراطيين في الانتخابات الأميركية بعدما لمع نجم المرشح الجمهوري دونالد ترامب في المشهد، عدا عن قطع الطريق على الإيرانيين القادمين في زحف الجيش العراقي من الفلوجة لربط الحدود العراقية-السورية المشتركة، اضافة الى تقوية الاكراد-حلفاء واشنطن واستخدامهم خنجرا لتهديد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من جهة، والسوريين من جهة ثانية.
هنا يعتقد ​الأكراد​ انهم يحققون خطوة مهمة على طريق "كردستان الكبرى"، علما ان مشروع الفدرالية المنتظر هو أهون من التقسيم بالنسبة الى السوريين.
لا معارضة جوهرية روسية على الخطوة الكردية. موسكو تربطها بالكرد علاقات مميزة، وتؤيد إقامتهم نظام فدرالي لإزعاج الاتراك وضرب مشاريع "النصرة" و"داعش". اما بالنسبة للدولة السورية، فإن تمدد الكرد لا يشكل ازمة دائمة لها. دمشق يهمها إشغال اردوغان، وعندما تتغير الادارة والتصرفات التركية يمكن للسوريين التفاوض حول وضع فدرالية الكرد.
تُدرك دمشق عملياً ان لا قدرة للاكراد على السيطرة الدائمة على مساحات يُشكل العرب عمودها الفقري (الرقة والحسكة). ستستولد الفدرالية العصبيات القومية ولو بعد حين، ما يعني الشك بقدرة كيان كردي دائم يمتد من ريف حلب الى الرقة والحسكة.
فلنفترض ان الكرد والأميركيين نجحوا بالسيطرة على الرقة. الى اين سيهرب "الدواعش"؟ هل الى ​دير الزور​؟ ام الى العراق؟
يبدو ان العراق أولوية في حسابات "داعش"، رغم عدم استعداد التنظيم للتخلي عن دير الزور بسهولة. يدرك الأميركيون والروس ذلك، ويعرفون ان شراسة داعشية تنتظرهم. التخلي عن الرقة قد يكون سريعاً امام زحف الكرد وحجم المواكبة الجوية والبرية الاميركية. لكن ماذا عن دير الزور، خصوصا ان التركيز الضمني السوري والروسي يجري الآن لضرب "النصرة" اولا، ثم تحرير الدير ثانياً؟
لا تبدو الموافقة الاميركية على طلب الروس حاضرة بسهولة، لاعتبارات لها علاقة بمستقبل النزاع في سوريا ومسايرة الحلفاء الخليجيين بدرجة اقل. لكن حاجة الاميركيين لإنجاز في سوريا يجعل مشروع الصفقة قائما ارتكازا على معادلة: الرقة مقابل رأس "جبهة النصرة".
عملياً ضرب "النصرة" في الأرياف وخصوصا في الغوطة الدمشقية والريف الحلبي يعني إستهداف واضعاف الجسم العسكري الاساسي للمجموعات المسلحة في سوريا. هذا ما فرض ضغوطاً عربياً ومن المعارضة السورية على الأميركيين لعدم السماح لروسيا بإستهداف "جبهة النصرة". الامور مفتوحة على كل الاتجاهات، في ظل دفع داخلي اميركي نحو إنجاز ضد "داعش" يتم استثماره من قبل الديمقراطيين والإدارة الحالية قبل موعد الانتخابات.