دخلت معركة مدينة الفلوجة مساراً استثنائياً وطنياً عابراً للجدل لتحريرها من سيطرة «داعش»، كما وفي تحرير فكرة الدولة من مهيمنات الإرهاب والعنف والأوهام التي تحصّن بها الكثيرون، خصوصاً بعدما حاول هذا الإرهاب من خلال تقطيع الأرض العراقية فرض أجندة سياسية واجتماعية وأمنية، وجرّ النسيج العراقي إلى صراعٍ مذاهب سيكون من الصعب السيطرة على تداعياته على مجمل الهلال السوري الخصيب.

إنها صورة معقدة عن مستقبل المدينة، لا سيما أن فرص التخلص من «صداع» الفلوجة بدأت تتضاءل مع الخيارات التي يلجأ إليها العسكريون على الأرض من أجل حسم الوضع.

كان عرفاً إطلاق اسم «مدينة المساجد» على الفلوجة، لأنها تضمّ نحو 550 مسجداً، وقد طبعت هذه المدينة صورًا في ذاكرة التاريخ لا يمكن نسيانها، فهي أيقونة المقاومة للاحتلال الأميركي، وقد حاول الأخير اغتيال ربيع العراق في هذه المرابع الخضراء، وشكّل احتلال الفلوجة منذ عامين ونصف تقريباً رهاناً مقصوداً على خراب المكان الجغرافي بهدف تجزئته على أسس طائفية، وأيضاً لوضعه كما مدينة الرقة كمجالٍ جاذب للجماعات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة والعالم، لاسيما أنها وجدت لها حواضن وبيئات طائفية وحتى سياسية وتمويلية محلية وخارجية ، لتهديد المتحد العراقي كما المتحد السوري ، لفرض شروط خارجية تحد من ترسيخ أي توجه سيادي في البلاد، لأن كسر شوكة الإرهاب ورمزيته وحصونه يعني الانطلاق نحو ترميم المشهد الوطني العراقي.

احتلال داعش للمدن والمناطق كلها لم يكن قدَراً مكتوباً، ولا هو بفرض العين.. كان فقط نتيجة أخطاء وخطايا ارتكبها أصحاب العمائم وربطات العنق، الذين كان يتعيّن أن يكونوا الآن في عزلة وانزواء، قبل محاكمتهم بفعل الخيانة.

الفلوجة ستكشف الغاطس المحلي القذر من المستور العربي القميء لاسيما بعد سقوط «داعش» وستكشف عملاء أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية الذين سوّقوا أنفسهم كدعاة وحدة وقادة أحزاب سياسية ونواب أشاوس!!

ومن هنا سيمثل تحرير الفلوجة، في قادم الأيام، تحريراً عميقاً للموقف السياسي والاجتماعي، وبما يعزز مساراته الواقعية، وهي لذلك لن تبقى جرحاً نرجسياً عميقاً في الجسد العراقي، أو ثغرة أمنية تتسلل من خلالها الكثير من السياسات الشوهاء، والعُصابيات الطائفية التي تجدُ من يُغذّيها، محلياً وإقليمياً ودولياً.

إذ ستكون عودة المدينة إلى حاضنتها الطبيعية أفقاً يتسع للحوار والتفاعل المجتمعي العراقي وفي بناء المدن العراقية على أساس حضاري وليس جماعاتي، عرقي ومذهبي، وبما يعزز وحدة الحياة الثقافية للمكان والمجتمع المتنوع والمتعدّد فيه.

اللحظة الحاسمة ليست لحظة قدرية، بل هي حالة خيار جامع، وهذا ما أعطي لعملية تحرير الفلوجة قوة أخلاقية، ورهاناً على أن تكون هذه اللحظة هي مسؤولية وطنية جامعة.

كل شيء في «سوراقيا» يرمز للدخان.. على امتداد الوطن تنفث أرضنا دخانها، يرفرف كالرايات أسودَ، يذكرنا بقول الشاعر العراقي صفي الدين الحلي: «بيضٌ صنائعنا، سودٌ وقائعنا، خُضرٌ مرابعنا حمرٌ مواضينا».

وفي الختام تساءلت مصادر هل ما بعد الفلوجة سيبدأ تحرير الموصل، وإعادة أجراس كنائس نينوى إلى أن تقرع أجراس النصر؟