في المرحلة الراهنة، تطرح الأسئلة حول الحماسة الأميركية على صعيد إرسال الجنود إلى الخارج، لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق، بعد سنوات طغى خلالها التردّد على إستراتيجية الرئيس ​باراك أوباما​، في ظل تركيز إعلامي على هذه الخطوات، لا سيما تلك المتعلقة في الحملة التي تقوم بها قوات "سوريا الديمقراطية" في ريف الرقة الشمالي، بالإضافة إلى الهجوم على مدينة الفلوجة العراقية.
بالتزامن، دخلت الولايات المتحدة سباقها الرئاسي بشكل شبه رسمي، لاختيار خليفة أوباما، بعد حصر المنافسة على نحو بعيد بين مرشح الحزب "الجمهوري" ​دونالد ترامب​ ومرشحة الحزب "الديمقراطي" ​هيلاري كلينتون​، ومن المتوقع أن يكون "داعش" ناخباً أساسياً في الدورة الحالية، نظراً إلى أهمية الإستراتيجية التي سيطرحها كل مرشح لمواجهة هذا الخطر، الذي بات يعتبر تهديداً عالمياً، بعد أن كانت رأس حربة في الحرب على الإرهاب، في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، بعد إعتداءات الحادي عشر من أيلول، بغض النظر عن كل ملابساتها، حيث كانت ذريعة إرسال القوات العسكرية لاحتلال أفغانستان والعراق.
في هذا السياق، من الضروري التذكير بأن الحملة الدعائية لمرشح الحزب "الديمقراطي" السابق، الرئيس الحالي باراك أوباما، تقوم على رفض إرسال المزيد من الجنود إلى الخارج، بل تضرب مواعيد زمنية لسحب تلك التي في العراق وأفغانستان، لكن مع إقتراب موعد مغادرته البيت الأبيض، يجد نفسه مضطراً إلى إعادة إرسال جنوده إلى الخارج، إلى سوريا والعراق، حيث ظهر ما هو أخطر من تنظيم "القاعدة" وزعيمه أسامة بن لادن، أي "داعش" و"خليفته" أبو بكر البغدادي، على أثر الحرب السورية.
في الفترة السابقة، سعى أوباما إلى التقليل من خطر "داعش" على الأمن القومي الأميركي، نظراً لرغبته بالتأكيد أنه بعد 8 سنوات من رئاسته ليس هناك ما يدعو إلى القلق، خصوصاً أن الرجل يعتبر أن من أهم إنجازاته القضاء على خطر القنبلة النووية الإيرانية، من خلال الإتفاق التاريخي بين طهران والدول الكبرى، بالرغم من أن القيادة الإيرانية كانت تشدد دائماً على عدم رغبته في صنع هذه القنبلة، في حين فشل في تحقيق أي تقدم على مسار مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
بالتزامن، سعى الرئيس الأميركي إلى إبعاد بلاده عن خيار التدخل العسكري المباشر في الحرب السورية، رغم تهديداته المتكررة على هذا الصعيد، أبرزها كان يوم الحديث عن تنفيذ الجيش السوري هجوماً بالأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، بسبب الضغوط الكبيرة التي كانت تمارس عليه من قبل حلفائه الإقليميين، خصوصاً السعودية وتركيا، لكن اليوم تبدل المشهد، لا سيما بعد بروز الملياردير دونالد ترامب كمرشح قوي في السباق الرئاسي، مع العلم أنه لا يملك خبرة سياسية ودبلوماسية واسعة النطاق.
بالنسبة إلى ترامب المتقلب في مواقفه، خطة القضاء على "داعش" بسيطة، "لا أحد يمكن أن يكون أشد على التنظيم أكثر مني"، "مع جيشنا، سأجد الشخص الذي سيأخذه، ويقوم بعمل حقيقي، ولا أحد يمكن أن يمنعنا"، فالهدف بالنسبة له القضاء على مصادر تمويل الإرهابيين عبر أخذ النفط منهم، "بعد محاصرتهم وإحتلال مواقعهم ومن ثم إرسال الشركات النفطية"، لكن ماذا يملك الحزب "الديمقراطي" لمواجهة هذا الخطاب الجماهيري، الذي يدغدغ مشاعر الناخب الأميركي؟
خطة المرشح "الجمهوري"، التي تقوم على أساس التصويب على أخطاء أوباما، تركز دائماً على الأوضاع في العراق، التي يرى أنه تمّ تسليمها إلى إيران، في حين هو يرى أن "داعش" والرئيس السوري بشار الأسد أعداء لبلاده، ويعتبر أن الرئيس الأميركي مسؤول عن تسليم الوضع هناك إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يعني أن إرسال القوات العسكرية يجب أن يكون إلى بغداد، في حين أن منافسته كلينتون تبدو أقرب إلى سياسة أوباما المترددة، التي لم تكن في أي لحظة "مستنفرة" لإرسال المزيد من الجنود إلى الشرق الأوسط، بعد أن كانت وزيرة الخارجية في القسم الأكبر من فترة حكم أوباما، والعامل الأبرز في دعم خيار التدخل العسكري في ليبيا، بهدف إسقاط نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي.
من المتعارف عليه في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، أن الحزب الحاكم يسعى دائماً إلى تعزيز أوراق مرشحه الرئاسي، لهزيمة مرشح الحزب المنافس له، الأمر الذي يُفسر حماسة الحزب "الديمقراطي" لتسجيل إنتصار معنوي في الحرب على الإرهاب، أكبر من عملية إغتيال زعيم حركة "طالبان" الملا منصور أختر.
إنطلاقاً من هذه النقطة، ينبغي فهم حقيقة تجاوز الإدارة الأميركية عقدة مشاركة قوات "الحشد الشعبي"، المدعومة من طهران، في معارك تحرير الفلوجة، وكذلك الأمر لناحية تجاوز الإعتراضات التركية على دعم قوات "سوريا الديمقراطية"، والذهاب نحو فتح جبهة مع "داعش" في ريف الرقة الشمالي، حيث تعتبر المدينة عاصمة "الخلافة" المزعومة، فوصول كلينتون إلى البيت الأبيض يتطلب إنتصاراً معنوياً على الإرهاب، لإثبات نجاح إستراتيجية أوباما.
في المحصلة، سيكون الإرهاب من الناخبين البارزين في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وستعمل إدارة أوباما على محاولة تحقيق إنتصار معنوي على "داعش"، في الفترة الفاصلة عن التصويت، ولكن هل تنجح في تجاوز كل المعوقات؟