محطات عديدة يمكن التوقف عندها في هذا الشهر الإنتخابي الطويل الذي حفل بالكثير من العِبَر لمن يعتبر، والذي تكشّف عن حقائق مهمة قد لا تكون ​طرابلس​ إستأثرت بها وحدها... إذ يمكن البناء على المراحل الأربع، لأن في كل منها ضرباً من الأمثولات البليغة.

وفي مرحلة الإنتخابات الأخيرة، في محافظتي الشمال وعكار كانت العبر أكثر من أن تحصى، وقد لا يكون المجال متسعاً لها كلها. ولكنّ بعضها «فاقع» الى درجة يتعذّر تجاهله.

أولاً - لقد تكشفت المرحلة الرابعة، كما سابقاتها الثلاث عن أن «البوسطة» أو «الجاروفة» لم تعد صالحة في العام 2016، وقد لا تكون صالحة في الإنتخابات النيابية العامة المفترض (بل المحتم) إجراؤها في العام 2017 المقبل.

ثانياً - إن العائلات التقليدية (ويسمونها «البيوتات») لا تزال موجودة، ولكن على نطاق محدود. فهي أيضاً تلتفّ على بعضها البعض بما في ذلك «رفقة يوم إنتخاب» بين الأخصام، ولا نقول الأعداء. مثال ذلك أنّ النائب هادي حبيش والنائب الوزير السابق مخايل الضاهر جمعتهما «مصيبة» الثنائي المسيحي (عون - جعجع) فتوّحدا معاً حتى تمكنا من الفوز في مسقط رأسيهما (القبيات) وبفارق اصوات معدودة. ولكن الحال كانت مغايرة في البلدات المسيحية العكارية الاخرى.

والنائب الوزير بطرس حرب إضطر أيضاً الى التحالف مع خصمه التاريخي إبن عائلته والتسليم له برئاسة المجلس البلدي حتى يفوزا بالإنتخابات في مسقط رأسيهما ولكن هذا «الإنتصار» في تنورين لم يكلّل بانتصارات لافتة في سائر قرى قضاء البترون. (ملاحظة: إننا نركز على القضاء لأننا نستبعد أي تعديل جدّي في قانون الإنتخابات النيابية التي ستجرى على أساس الدائرة / القضاء).

ثالثاً - ولقد تبين من نتائج طرابلس الصاعقة أنّ أمرين لهما دور كبير في النتائج. أولهما دور إيجابي لأصحاب الشعارات التي يسميها البعض بأنها «متطرفة» والثاني دور سلبي لأصحاب الرساميل الضخمة الذين ضنوا بأموالهم فلم ينفقوا منها إلا النذر اليسير. واللبيب من الإشارة الطرابلسية يفهم.

رابعاً - إنّ «البيوتات» أو «العائلات» التي أثبتت حضورها في المناطق ذات الأكثرية المسيحية (تنورين، جونية نسبياً، جزين نسبياً أيضاً، زحلة نسبياً كذلك) لم يكن لدى البيوتات أو العائلات السنية حضور مماثل لها في طرابلس على سبيل المثال.

خامساً - ان عودة الرئيس ​سعد الحريري​ الى لبنان. من غياب (أو تغييب) طويل، لم تكن، من حيث الوقت، كافية لاستعادة ما يجب إستعادته، خصوصاً بعدما بلغ التطرف مداه (هل نذكّر بباب التبانة وبعل محسن؟ أو بسجن رومية؟ أو... أو...) بينما نحا الحريري منحى الوسطية والإعتدال.

سادساً - إنّ تغييب الأعضاء المسيحيين عن بلدية طرابلس، بالشكل الذي تم هو فعلاً «جريمة وطنية» على حدّ وصف وزير الداخلية نهاد المشنوق لهذه «الفعلة» التي أكدت التغيير الحاسم في وجه طرابلس التي كانت تعتز بمدارس «الفرير» و»الطليان» وبشارع الراهبات، وبشارع المطران (…) وبعشرات الألوف من المسيحيين الذين كانوا حاضرين، وبقوة، في الإستحقاقات الإنتخابية يوم كان الشهيد رشيد كرامي والمرحوم فاروق المقدم والكثيرون من الشخصيات القيادية الطرابلسية يعتزون بالتنوع الرائع الذي كان في عاصمة الشمال.

وتلك كلها ليست سوى غيض من فيض العِبَر والأمثولات