بحسب أحدث إحصاءات الهيئات الرسميّة المعنيّة، فإنّ نسبة ​البطالة​ في لبنان بلغت هذا العام أكثر من 25 % من إجمالي القوّة العاملة، 36 % منهم من الجيل الشاب، و47 % من الخرّيجين الجُدد. وإذا كانت أسباب هذه المُشكلة منوّعة، وتبدأ بانعدام فرص العمل ولا تنتهي عند مُزاحمة اليد العاملة الأجنبيّة، لا سيّما السوريّة منها، فإنّ الأكيد أنّ نتائجها كارثيّة، باعتبار أنّ نسبة اللبنانيّين الذين يعيشون تحت خط ​الفقر​ في لبنان في تصاعد مُستمرّ، حيث أنّ 10 % من اللبنانيّين يُصنّفون في خانة الفقراء المعدومين أي الذين لا يُمكنهم دفع المصاريف الأساسيّة للعيش بمعايير الحد الأدنى، ونحو 30 % يُصنّفون في خانة الفقراء الذين بالكاد يتمكّنون من دفع ثمن المُتطلبات الأساسيّة للعيش من دون الغرق في الديون. فما هو المبلغ المطلوب لما يُعرف بتعبير "العيش الكريم"؟

بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّنا سنأخذ في هذا التحقيق مُتطلبات عائلة لبنانيّة نموذجيّة، أيّ تتكوّن من أب وأم وولدين إثنين، لاحتساب مصروفها الشهري بمعدّل عام، والدخل الشهري المطلوب لتغطية نفقاتها. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: الكلفة الشهرية الوسطيّة الخاصة بتغطية مصاريف شراء الطعام والشراب ومُستلزمات المنزل الأساسيّة (منتجات وأدوات التنظيف والإستحمام والغسيل، إلخ.) لا يُمكن أن تقلّ عن 500 دولار أميركي بالحدّ الأدنى، لعائلة تتكوّن من أربعة أفراد.

ثانيًا: الكلفة الشهريّة الوسطيّة لتكاليف تعليم أي تلميذ في مدرسة بمستوى تعليمي جيّد، أي للقسط ومُستلزمات الدراسة وتوابعها المختلفة، تبلغ 4000 دولار أميركي سنويًا، ما يعني 333 دولارًا شهريًا بمعدّل وسطي، وبالتالي 666 دولارًا شهريًا لتلميذين ضمن العائلة النموذجيّة التي تتكوّن من أربعة أفراد.

ثالثًا: الكلفة الشهريّة الوسطيّة لفواتير الكهرباء المزدوجة والمياه والغاز والهاتف الثابت والجوّال وإشتراك الإنترنت، تختلف بين عائلة وأخرى، لكنّها لا تقلّ بمعدّل عام، وفي حال الإكتفاء بالأساسيّات من دون أي شكل من أشكال البذخ، عن 200 دولار أميركي شهريًا، علمًا أنّ هذا الرقم يرتفع بسرعة ويتضاعف بسهولة في حال مثلاً إختيار إشتراك بطاقة 10 "أمبير" بدلاً من 5 "أمبير" عبر شبكة مولّدات الكهرباء الخاصة، وفي حال إقتناء أكثر من هاتف جوّال واحد في المنزل، وفي حال الإشتراك بكابلات المحطّات التلفزيونيّة الخاصة، على سبيل المثال لا الحصر.

رابعًا: الكلفة الشهريّة الوسطيّة لمعدّل مصروف التنقّل من إستهلاك بنزين للسيارة وبدل تأمين وميكانيك وصيانة دوريّة، في حال إفترضنا أنّ العائلة النموذجيّة موضوع الدراسة تمتلك سيارة واحدة فقط، يبلغ نحو 200 دولار أميركي شهريًا، وهذا الرقم يرتفع بسهولة أيضًا في حال إمتلاك سيارتين، أو في حال كانت سيارة العائلة قديمة وبحاجة لصيانة دائمة، أو في حال كانت مسافة العبور اليومي طويلة ومُكلفة على صعيد إستهلاك الوقود.

خامسًا: الكلفة الشهريّة الوسطيّة للمُشتريات المُتفرّقة مثل الملابس والأحذية ومُستلزمات النظافة والعناية الشخصيّة الأساسيّة (مثلاً: عبوات عطور، ومزيل للرائحة، وشفرات حلاقة، إلخ.)، لعائلة من أربعة أفراد، تبلغ نحو 200 دولار أميركي شهريًا.

سادسًا: الكلفة الشهريّة الوسطيّة لتلبية المناسبات الإجتماعية (منها مثلاً حفلات الزفاف وأعياد الميلاد والمعايدات الدينيّة) تختلف تبعًا لمُستوى العائلة الإجتماعي، ولمدى إتساع دائرة معارفها، ولحجم إنخراطها في حياة إجتماعية ناشطة، ولغيرها من العوامل، لكنّها تبلغ نحو 100 دولار في الشهر بمعدّل عام.

سابعًا: الكلفة الشهريّة الوسطيّة لدفع مصاريف معالجة أعطال منزليّة مفاجئة، أو لإستبدال آلات منزليّة قديمة بأخرى جديدة، أو لتسديد مصاريف غير متوقّعة بغض النظر عن طبيعتها، لا تقلّ بدورها عن 100 دولار أميركي بمعدّل عام.

ثامنًا: الكلفة الشهريّة الوسطيّة لدفع بدل موقف للسيارة (في مكان السكن أو العمل أو الإثنين معًا)، ولدفع إشتراك صيانة المبنى لا تقلّ عن 100 دولار أميركي.

وبالتالي، وفي حساب أوّلي سريع نجد أنّ الرقم المطلوب لتكاليف الحد الأدنى لعائلة من أربعة أفراد لا يُمكن أن يقل عن 2000 دولار أميركي شهريًا بأي شكل من الأشكال، وهذا الرقم لا يتضمّن أيّ مُستحقّات شهريّة لتسديد ديون شراء منزل أو سيارة أو الإثنين معًا، أو أيّ مُشتريات منزليّة بالإستدانة والتقسيط (منها مثلاً: فرش إحدى الغرف، أو أي قطعة كهربائيّة، إلخ)، وكذلك أيّ مصاريف خاصة بالتدفئة (مثل شراء المازوت أو الغاز) أو التبريد (رفع قيمة فواتير الكهرباء)، ولا المصاريف الترفيهيّة، مثل الذهاب إلى السينما أو إلى أحد المطاعم أو المنتزهات، إلخ. كما أنّ هذا الرقم يرتفع بشكل مُضطرد في حال وجود تأمين صحّي للعائلة المعنيّة، لتعويض غياب الضمان الإجتماعي أو التغطية الصحّية المناسبة في مكان العمل.

وبحسب الخبراء الإقتصاديّين، لا شك أنّ أي عائلة لبنانيّة تتكوّن من أربعة أفراد يقلّ دخلها الشهري عن 2000 دولار أميركي تعيش في حال من الفقر بشكل أو بآخر. وفي حال وُجود مُستحقات دين شهري لها، يجب حسم قيمة المدفوعات الخاصة بتغطيتها من الدخل الأساسي لمعرفة خط الفقر. فمثلاً إذا كان رب العائلة وزوجته يكسبان معًا شهريًا 2500 دولار، لكنّهما يخسران من هذا المبلغ مُلزمين 600 أو 700 دولار لتسديد مُستحقات شهريّة، فإنّهما يعيشان مع ولديهما تحت خط الفقر.

وبحسب الخبراء الإقتصاديّين أيضًا، إنّ الرقم المطلوب للعيش الكريم في لبنان تبعًا لكلفة المعيشة الحالية لعائلة تتكوّن من أربعة أفراد هو 4000 دولار أميركي، حيث أنّ المبلغ المطلوب لكل فرد يجب أن لا يقل عن 1000 دولار، بغض النظر عن عمره، باعتبار أنّ التكاليف تبدأ منذ لحظة الولادة مع الحفاضات والحليب والثياب ودور الحضانة وزيارة الطبيب واللقاحات، إلخ. وتمرّ بتكاليف التعليم في المدارس الخاصة والمأكل والملبس، إلخ. وُصولاً إلى مصاريف التعليم الجامعي وإقتناء سيارة والإنخراط في المجتمع، إلخ. كما أنّ عبارة "العيش الكريم" لا تعني الإكتفاء الذاتي بالأساسيّات فحسب، بل تشمل ضُمنًا مبدأ الذهاب مرّة في الأسبوع على الأقلّ، إلى مطعم أو منتزه، إلخ. والقيام بسفرة عائليّة مرّة في السنة أيضًا. ومع هذه الأرقام، تتظهّر الصورة بالنسبة إلى حجم الفقر المُستشري في المجتمع اللبناني الذي يُعاني من ضغوط معيشيّة كبيرة، تقلّص بسببها عدد المُنتمين إلى الطبقة الوسطى، وزاد هامش الفوارق بين طبقتي الأثرياء والفقراء فيه.