تعيش ​مدينة طرابلس​ اجواء ​شهر رمضان​، فترتدي شوارعها الحلة الرمضانية، وتغطي ساحاتها الزينة والشعائر الدينية، وتعلو غروب كل يوم أصوات الأناشيد الصوفية. أضيئت ساحات المدينة بالمصابيح والفوانيس وغطت زينة الهلال الأشجار المتراصفة على طول الطريق، وكل ذلك في ظل الصوت الأنيس للمآذن التي تصدح في سماء المدينة، لتجعلها وكأنها محجّة المسلمين، لا بل هي فعلا كذلك.


يمارس الطرابلسيون ​الطقوس الرمضانية​ المتوارثة منذ مئات السنين وقد لوحظ هذا العام ان مساجد المدينة تزدحم بالمصلّين لأداء صلاة التراويح بعد الإفطار حيث تعجّ الجوامع بالمصلين في كل الأحياء، لتنطلق الحياة من جديد لحظة الخروج من المساجد، فتبدأ سهرات رمضان المتنوعة. سهر مع الاهل والاقارب حتى موعد السحور، وتجمعات من الأصدقاء في المقاهي المنتشرة في شوارع طرابلس، وسهرات قرآنية في المساجد.


في كل عام تتميز المدينة الشماليّة بزينة شهر الصوم مع الحفاظ على عادات وتقاليد هذا الشهر حيث تقفل المطاعم والمقاهي ابوابها نهارا لتعود وتفتح ليلا حيث تتحول شوارعها في ​ليالي رمضان​ الى مسارح تدبّ فيها الحيوية. أما بالنسبة لأسواقها فهي تفتح ابوابها حتى ساعات متأخرة من الفجر، ويبقى للأحياء الشعبية نكهة رمضانية خاصة تجذب الصائمين من كل الأحياء حتى من الأحياء "البرجوازية"، فتبدو الاسواق الشعبية في النهار كخلية نحل تعج بحركة لا تهدأ. هنا ينشر صاحب الفرن كل أصناف الكعك وخبز "الماوي"، وهنا يتمركز باعة عصائر الخرّوب والسوس وقمر الدين والتوت والليمون، فتقف الطوابير امام محلات المغربية وكل انواع المخلل.


رغم ارتفاع الأسعار في شهر رمضان الا انها في سوق الخضار ومحيط جسر نهر ابو علي لا تشبه أسعار السوبر ماركات الضخمة لذلك تصبح هذه الامكنة مقصدا لمعظم الطرابلسيين. كما ان صناعة الحلويات الشعبية التي تشتهر بها طرابلس تضفي المزيد من الاجواء الروحانية في شهر الخير والبركة فيزداد الطلب على أصناف عدة ابرزها ورد الشام، الكرابيج، زنود الست، القطايف وكنافة البصمة.


يتناول الطرابلسيون وزوارهم وجبة السحور على وقع اناشيد المسحراتي الذي لا يزال يصر رغم التطور العمراني على ان يجوب كافة شوارع المدينة وحتى من يعيش في الأبنية العالية لم يحرم من هذه العادات والتقاليد التي تحمل نكهة روحانية.


ربما غابت بعض العادات عن اجواء شهر رمضان، ابرزها تبادل الطعام بين الجيران حيث كانت وليمة رمضان سابقا تتزين بصحون الجيران اضافة الى تحضيرات سيدة المنزل، اما اليوم فقد انحسرت هذه العادة في معظم مدينة طرابلس ما عدا الأحياء الفقيرة التي لا يزال اهلها يحافظون على ما تبقى من هذه العادات.


في ليالي رمضان، تحيي الفرق الصوفية الامسيات بالتعبد والحلقات الدينية وفي أواخر شهر الصوم ستجوب الفرق الصوفيّة شوارع المدينة وهي تنشد التراتيل الدينية وزيارة الأثر النبوي في جامع المنصوري الكبير طيلة الشهر حيث من المتوقع ان يزدحم المصلون لتقبيل الأثر الشريف والتبرك منه، ويذكر ان هذا الأثر أهداه السلطان عبد الحميد العثماني الى الجامع الحميدي ثم تم نقله لاحقا الى مسجد المنصوري.


رغم كل هذه الاجواء الجميلة في طرابلس، يعاني سكان المدينة تحديدا خلال هذا الشهر من مشاكل حياتية عديدة، وهي رغم اهميتها تتكرر في كل عام بظل غياب واضح للمسؤولين عن همومهم، وتبدأ بالتقنين الكهربائي وانقطاع الكهرباء خاصة عند الافطار وساعات السحور وغرق الشوارع في الظلام مما يثير الاستغراب والاستهجان والتساؤل عن غياب المراجع الطرابلسية التي عليها ايجاد الحلول، وقد لا تنتهي في مسألة غلاء اسعار المواد الاستهلاكية وخاصة المواد الاساسية اليومية التي تحتاجها مائدة الصائم في غياب الرقابة وغض النظر وكأن الشهر الفضيل فرصة لجني الارباح الخيالية دون حسيب او رقيب، فقد بات هذا الغلاء حديث الساعة في المجالس الشعبية.


يظن الطرابلسيون ان حرمانهم من الكهرباء يهدف لجلدهم، وارتفاع الاسعار دون رقابة لمعاقبتهم، فهذان الأمران بحسب رأيهم يفسدان عليهم فرحة شهر رمضان، ويخربان جماله وروحيته، الا ان الطرابلسيين ربما لا يعلمون ان اللبنانيين من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال يعانون من نفس المشكلة دون أن يأبه أحد لأمرهم...