يكاد الاختلاف بين اللبنانيّين يصل إلى حدّ المسلّمات في أدنى مستوياتها، ولربّما لم يعُد يَجمعنا سوى «التوقيت المحلّي»، والفضل بهذا يعود إلى خط «غرينتش» الناظم وليس لنا، فلولاه لربّما اتّخذ كلّ فريق سياسي ومذهبي توقيتَه الخاص. كيف لا ونحن في شهر الصوم نختلف حتى على موعد غروب الشمس!

يقسم كلّ استحقاق، سواءٌ أكان سياسياً أو قضائياً، أو حتى رياضياً، المواطنين بين وجهتَي نظر، لكلّ منهما محطته التلفزيونية أو أكثر ممّن تعمل على التسويق بكلّ الأسلحة المتوافرة، من «المقدّمة الإخبارية» إلى «التقارير» فالنقل المباشر وما بينهم من ملكات وأساليب، لترفعَ بذلك من منسوب حيرة المواطن المرتبك أصلاً بما يَسمعه من روايات متناقضة عن كلّ حادثة.

مِن آخر فصول التباين ما حصَل عشية إصدار المحكمة العسكرية حكماً يقضي «بسَنة حبس بحقّ الشيخ محسن الشعبان بعد التخفيض، وإلزامه تقديم بندقية حربية، ومصادرة كلّ الأسلحة والذخائر والأعتدة والأموال المضبوطة بحوزته، باستثناء الوثائق والمستندات الشخصية والمقتنيات، وذلك لصالح الجيش»، كما جاء في خلاصة الحكم.

فاصطفّت المحطات، تلفزيونية وإذاعية، بين من وصَفت الحكم بالظالم بحق عالم دين ذي وجه إعلامي و»وسيط خيّر» بين أهالي العسكريين المخطوفين وخاطفيهم، ومن وصَفته محطات أخرى بالناطق باسمِ الموقوف أحمد الأسير، ووضعَته في خانة الخاطفين وليس الوسَطاء.

فمَن هو الشعبان وفق السجلّات الرسمية، وبماذا اعترفَ بلسانه في محاضر التحقيق التي تنشرها «الجمهورية» ليتبيّن الخيط الأبيض من الأسود؟

تلمّسَ الموقوف محسن الشعبان هلالَ علومه الجامعية في اختصاص الشريعة في أزهر البقاع، حيث نال خلال العام 2007 إجازةً في اختصاص القانون الإسلامي، وبعد أقلّ من عامين التحقَ بدار الفتوى في البقاع كموظف في قسم العلاقات الاجتماعية الذي شرّع له الباب لمتابعة ملف النازحين السوريين، وهذا ما شكّل له كما لكثيرين غطاءً لدخول عرسال وجرودها شرقاً، ليتمدَّد جنوباً نحو عبرا فاتحاً خطوط التواصل مع أمجد الأسير، شقيق الموقوف أحمد الأسير.

إلّا أنّ حالَ الشعبان كحال كثُر من رافعي لواء النازحين، فبدلاً من نقلِ المعونات والسلل الغذائية إلى المخيّمات، استغلَّ وضعيتَه الشرعية لينقلَ خمسةً مِن مرافقي الموقوف الأسير بأسلحتهم بسيارته الخاصة، ليعود وينقل الأسير شخصياً بالطريقة نفسها إلى بلدة عرسال ومنها إلى الداخل السوري عبر «جوسيه»، ليلتقيَ هناك قادة الكتائب المقاتلة التي هاجمت الجيش اللبناني في معركة عرسال، ومنهم (عبد الحميد الناري، محمد المغوار، ابو الوليد، إضافة إلى أحمد السلس (الذي قتِل منذ أيام معدودة في اشتباك مسلّح بين «داعش» و«النصرة») في اجتماعات أفضَت إلى اتّفاق بين الأسير وقادة الكتائب الإرهابية على شراء الأسلحة الحربية لنقلِها إلى صيدا، وإرسال مجموعات تابعة للأسير للقتال في سوريا.

وهذا ما حصَل بالفعل، حيث نقل الشعبان، وباعترافاته المرفقة بصور عنها، مجموعات عدة بسيارته على دفعات، مستغلّاً ارتداءَه العمامة لعبور الحواجز العسكرية، فضلاً عن نقلِه أكثرَ مِن 8 دفعات من الأسلحة الحربية والذخائر من عرسال إلى مجمّع الأسير في صيدا قبَيل معركة عبرا.

وبين دفّتَي اعترافات الشعبان ما أدلى به عن نقلِ شخص سوري متخصّص في أعمال التفخيخ والتفجير، وهو الملقّب بـ«خالد الكيماوي» إلى عبرا بهدف تدريب مجموعات الأسير على هذه الأعمال (أصيبَ الكيماوي في معارك عبرا ودخل مستشفى قصب باسم حسن حرود وبسبب إجراءات الجيش اللبناني المشدَّدة لم يتمكّن الشعبان من تهريبه، بعد اتّصال الكيماوي به).

وفي التحقيقات، لم تُثبت مشاركة الشعبان في معركة عبرا في مواجهة الجيش اللبناني، لكنّه اعترفَ بالعمل على تهريب الأسير وشقيقه أمجد بعد انتهاء المعارك، فضلاً عن اعترافاته السابقة بنقلِ الأسلحة والإرهابيين بين عرسال وعبرا، وبالعكس.

وممّا أفاد به أنّه خلال وجوده في مقهى العبد في صيدا، اتّصل به أمجد الأسير وأبلغَه أنّه والأسير بألف خير وأنّهما تمكّنا من الخروج من المربّع الأمني، وطلبَ منه التوجّه إلى البقاع وإحضار سيارة لها صفة شرعية (عليها لوحة لدار الإفتاء)، حتى لا يتمّ توقيفهم في حال نقلِهم، وطلبَ أيضاً إحضارَ عمامات وثلاثة جلاليب.

فانتقل الشعبان فوراً مع زميله الفلسطيني عمر كايد (مراسل قناة الميادين في ذلك الحين) وذهبا إلى محلّة مكسي البقاعية، محاولين الحصول على سيارة دار الإفتاء، ليعود ويتّصل به أمجد ويبلِغه بإلغاء الموضوع كونه تدبّر الأمر، فعاد أدراجَه بعدما وصَل إلى صيدا.

وعليه، هل بعدُ مَن يسأل إذا كان الشعبان بريئاً ويستحقّ رفعَ مظلوميته عبر الشاشات وقضاتها الإعلاميين؟ أم أنّ الحكمَ بالسَنة سجن أقلّ ممّا يستحقّ على ما فعلَ من نقلِ مسلّحين وأسلحة وذخائر وخبير متفجّرات إلى بوّابة الجنوب؟

وماذا عن دوره في تهريب الأسير والذي لم يتحقّق ليس بفعل أخلاقياته أو صحوة ضميره، إنّما بسبب تبديل وجهة سير الأسير من الهرب برّاً بسيارة تحمل لوحة «دار الإفتاء» إلى الهرب عبر مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي قبل أن يقع في شباك الأمن العام؟

بالفعل صَدق من قال إنّنا نعيش زمنَ الشَطط...