تتكثّف معاني الرحمة والمحبة في شهر رمضان المبارك؛ شهر الخير والغفران، وتتلاقى القلوب والعقول على الخير والصلاح، وعلى الدعوة إلى السلام والوئام، كيف لا والشهر الفضيل يحمل في طيّاته فريضة الصوم مرفقةً بفريضة الزكاة، بما تمثّله الأولى من مدرسة تعلّم المسلمين الثبات والصبر والترفع عن الأنانية، وما تحثّ عليه الثانية من فعل الخير والرحمة، إضافة إلى كونها ذكرى بدء نزول الوحي المقدس على سيّد المرسلين وخاتم النبيين محمد الأمين (صلى الله عليه وسلم)، في ليلة من ليالي القدر المباركة، وليس هذا بالشيء القليل، بل إنه يمثّل محطة تاريخية أساسية في حياة البشرية، وحدث علويّ جليل ختم به الله تعالى سلسلة الوحي المبارك، بقوله المنزل الشريف: {الْيوْم أكْملْت لكمْ دينكمْ وأتْممْت عليْكمْ نعْمتي ورضيت لكم الْإسْلام دينًا}.

ما يحتّمه علينا حلول شهر رمضان المبارك هو الدعوة الخالصة لأنفسنا أولاً، ولأبناء مجتمعنا اللبناني والإسلامي والعربي ثانياً، وللإنسانية جمعاء؛ بأن يطلقوا صوت العقل والحكمة في مواجهة الفتنة والشرّ والأذيّة، وأن يتكاتف المؤمنون، إلى أي دين انتموا، ليؤكدوا معاً أن الدين رسالة خير ومحبة، وما من دين يدعو إلى غير ذلك، فليكفّ المتجلببون برداء الدين، والدين منهم براء، عن تسييسه وتطييفه ووسمه بالإرهاب وسفك الدماء، وليتّقِ الله من يدّعون الحرص على مصلحة الشعوب، وهم قاتلوها ومغتصبو حقوقها، فالحق أحق أن يتّبع، وليس أولى في اتباع الحق من أهله، الذين هم أهل التسامح والتصافي والرقي الروحي والفكريّ، لا أهل الحقد والغدر والرياء.. إنهم الصائمون عن المنكر والفحشاء، والفاطرون على النيّة الصافية والكلمة الطيّبة والفعل الحسن.

بوركت يا رمضان، وبورك التائبون في رحابك، الساعون دائماً إلى بلوغ الغاية من فرائضك الشريفة في أيامك ولياليك، وليكن نداء القرآن الكريم نصب أعيننا وملء آذاننا ووسع قلوبنا، لعلّنا ندرك المعنى الحقيقي من دعوته البشرية إلى سلوك سبيل الخير والمعروف، والابتعاد عن سبل كلّ ما هو منكرٌ ومحرم، فإنّ في ذلك الفوز والفلاح للإنسان أينما كان، وتحقيقاً للإنسانية التي أراد الله عز وجل أن تتحقّق على أيدي أهل الخير، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، بقوله تعالى: {ولْتكن مّنكمْ أمّةٌ يدْعون إلى الْخيْر ويأْمرون بالْمعْروف وينْهوْن عن الْمنكر وأولئك هم الْمفْلحون}.

* أمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية

ورئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي

لطائفة الموحدين الدروز