تشهد العلاقات الروسية - "الإسرائيلية" في هذه الفترة تطوراً ملحوظاً، تجلّت بالزيارات المتكررة لرئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو لروسيا، والذي التقى بالرئيس فلاديمير بوتين أربع مرات هذا العام، في حين أنه التقى الرئيس الميركي بارك أوباما مرة واحدة خلاله، وكان خطاب نتنياهو الأخير في ذكرى النكبة عام 67 هو للتأكيد على هذه العلاقة؛ أن "روسيا قوة عظمى، والعلاقات معها تتعزز أكثر فأكثر".

عمل الرئيس بوتين منذ العام 2000 على تعزير هذه العلاقة، وقد عبّر عنها المتحدث باسم الرئاسة ديمتري بيسكوسن في جوابه عن سؤال حول كثافة زيارات نتنياهو لروسيا، بأنها "تخلق أساساً إيجابياً جداً للتقدم في مجال التعاون الثنائي في الزراعة والتكنولوجيات، وغيرها من القطاعات".

وعلى الرغم من التعارض بينهما في العديد من الملفات (الأزمة السورية، والملف النووي، ومساعدة "إسرائيل" للمجموعات التكفيرية..)، إلا أننا نرى أن كلاً من روسيا و"إسرائيل" تسعى إلى تطوير هذه العلاقة بينهما في المجالات كافة، عبر إبرام الاتفاقيات، وكان آخرها تعويضات التقاعد التي ستدفعها روسيا للمهاجرين الروس في الفترة بين 1970 و 1992؛ بمبالغ مالية تتراوح بين 120 و250 دولاراً شهرياً، واتفاقيات في مجال الزراعة والصناعة.

أما عن الأسباب التي سرّعت هذا التقارب فعديدة، لعل أهمها:

1- دخول روسيا على خط الأزمة السورية، وحاجة "إسرائيل" إلى التنسيق الأمني معها في ما خص جبهة الجولان المحتل، وخوفها من أن تتحول إلى جبهة لمقاومة "إسرائيل"، وفي ما خص عدم عرقلة عملها الأمني في سورية (عمليّتا جهاد مغنية وسمير القنطار) وعدم عرقلة الضربات الجوية لمراكز التخزين للسلاح الاستراتيجي لحزب الله، والذي يتم نقله من سورية إلى لبنان، وفي هذا المجال يقول نتنياهو "فهي (أي روسيا) تخدم أمننا القومي في هذه الأيام".

2- التمهيد لوضع اليد على الجولان في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.

3- التفاهم على محاربة الإرهاب التكفيري الذي تدعمه "إسرائيل"، والذي يشكّل في الوقت نفسه خطراً على الأمن الروسي.

4- المراهنة "الإسرائيلية" على كسب الود الروسي، علّها تستفيد منه في بعض قرارات مجلس الأمن الدولي التي تخص القضية الفلسطنية.

5- وجود أكثر من مليون مهاجر روسي في "إسرائيل"، وغالبيتهم يميل إلى اليمين المتطرف، وهم كتلة وازنة في الانتخابات، يعمل نتنياهو على كسبهم.

6- الدور الإقليمي الوازن والفاعل لروسيا، والذي يتطلّب أن تكون علاقته جيدة مع أطراف الصراع في المنطقة.

7- حاجة كل منهما إلى التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية (بلغ حجم العمليات الاقتصادية المتبادَلة في العام 2014 ثلاثة مليارات دولار).

بعض الساسة في "إسرائيل" لا يعطون أهمية لهذا التحالف، لكن حقيقة الأمر أن روسيا تتعاطى مع جميع الأطراف من منطلق المصلحة الروسية، فلا ضير عندها أن تدعم "إسرائيل" في مكان ما وتعمل على حماية حدودها الشمالية، ومستعدة لأن تساهم في حل أزمتها مع الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته تعمل على منع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد؛ العدود اللدود لـ"إسرائيل".

هذه العلاقة بين روسيا و"إسرائيل"، والقائمة على قاعدة المصالح المشتركة بينهما، والتي تتفاوت فيها نسب استفادة كل منهما، قد تتأزّم نتيجة التعقيدات في بعض الملفات، كالملف النووي الإيراني، وصفقات السلاح "أس-300"، وغير ذلك من الأسلحة الاستراتيجية، وقد تنقطع بينهما كما حدث بعد النكسة في العام 1967، لكنها الآن في مراحل متقدمة، رغم التعقيدات في المنطقة، لقناعة لدى الروسي بأن "إسرائيل دولة لها الحق في الحياة"، وهو أول من اعترف بدولتها في العام 1948.