انعقد في الثالث من شهر حزيران الحالي بالعاصمة الفرنسية باريس اجتماع ضم 28 بعثة دبلوماسية من بينها اربع دول عربية للبحث في افاق السلام بين العرب واسرائيل باعتماد المبادرة العربية التي انبثقت عن قمة بيروت العربية عام 2002 كمبدأ للحوار بين الاطراف.

تداولت بعض الاوساط الكلام عن تعديلات تم ادخالها على المبادرة العربية لتشكل تنازلا عربياً اضافياً لصالح اسرائيل، لكن بغض النظر عن مناقشة بنود المبادرة العربية المرفرضة اصلاً لانها توحي بان المشكلة الفلسطينية بدأت في الرابع من حزيران من العام 1967 فيما ان حقيقة المشكلة الفلسطينية بدأت منذ العام 1947 اي مع بدء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، فان بعض العرب وفي مقدمهم عرب النفط لم يجد اي غضاضة من تقديم فتاوى سياسية تغطي التسابق المُشين على اقامة علاقات دبلوماسية واجراء اتصالات مباشره مع العدو الاسرائيلي في محاولة لشرعنة التنازلات المهينة والمذلّة بحق العرب بالتخلي عن سيادة واستقلال القرارالمستقل لبلدانهم وايضاً على حساب الفلسطينيين وارض فلسطين العربية...

لا غلو في القول ان فلسطين بنظر عرب النفط اصبحت برسم المقايضة او حتى برسم البيع.

عرب النفط ومن يدور في فلكهم يتصرفون على اساس ان فلسطين وشعبها المعذب اصبحت مشكلة وليست القضية المركزية، مقدّمين التنازل تلو التنازل لصالح العدو الاسرائيلي بدءاً من اتفاق اوسلو المشؤوم الى كامب دايفيد الى واي ريفير الى واي بلانتيشن الى وادي عربة دون اي طائل او حتى حصول اي تنازل من قبل المحتل الاسرائيلي، بل على العكس فان الاستيطان زاد بنسبة كبيرة ومصادرة الاراضي الفلسطينية مستمرة بوتيرة عالية وطرد الفلسطينيين من القدس تمهيداً لتهويدها مستمر وممارسة سياسة القمع و التمييز العنصري بحق الفلسطينيين يمارس بابشع صورة.

اما الفريق العربي النفطي فهو ماضٍ في مشروعه الاستسلامي متذللا ومترجياً حكومة العدو طالبا من رئيسها بنيامين نتانياهو القبول بما يسمى المبادرة العربية حتى لو كانت جائرة بحق الشعب الفلسطيني وبحق العرب، في الوقت الذي يجب اعتبار استعادة فلسطين وتحريرها اضافة الى تحرير الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل واغتصبتها اوتمت مصادرتها الهم الاساسي للعرب والقبلة السياسية والبوصلة التي لا حياد فيها ولا تنازل عنها وغير خاضعة لاي مساومة.

ماذا استفاد العرب من تقديم التنازلات المتتالية لصالح اسرائيل والغرب؟

اعتقد عرب النفط ان حاجة الغرب وأميركا للذهب الاسود الذي خص الله بلادهم بنعمته سيكون كافياً لفرض ارادة العرب بما يضمن امن بلاد النفط لكن الجانب الأميركي نجح في قلب المعادلة ليصبح عرب النفط اشبه بالموظف الطيّع الذي لا يرفض طلباً اميركياً حتى لو جاء على حساب امن وسيادة واستقلال العرب ليصبح القرار العربي شبه مغيب وبدون اي تأثير يذكر في المحافل الدولية، بل ان بعض العرب ذهب ابعد من ذلك مقدماً عروضه السخية ليكون رأس حربة في تنفيذ اجندة أميركا والغرب بالتهافت على اقامة علاقات سرية احياناً وعلنية في معظم الاحيان مع العدو الاسرائيلي، مقدماً بذلك اوراق اعتماده في إثبات ولائه واخلاصه لأميركا واسرائيل على حساب هويتنا وشعبنا وامتنا العربية بالانخراط في تنفيذ المؤامرات الغربية على دول عربية المفترض انها شقيقة من خلال حملات التمويل والتسليح والتدريب للارهاب العالمي بهدف منع وضرب كل اشكال المقاومة في المنطقة ومن ثم قلب انظمة عربية ذنبها انها رفضت الانصياع للاملاءات الاميركية والغربية التي من شأنها التخلي عن السيادة والهوية وعن القرار العربي المستقل وبالتالي التخلي عن القضية المركزية فلسطين، وبذلك يكون عرب النفط غنموا الفوضى العارمة نتيجة لسياساتهم التآمرية و الاسهام في تسهيل ايجاد الظروف والمناخات المناسبة لضرب الجيوش العربية القادرة على مواجهة العدو الاسرائيلي وتشتيت المجتمعات العربية حتى اضحى العرب يسبحون في بحر من الدماء جراء افتعال حروب متنقلة مرفقة بافتعال الفتن المذهبية والعرقية والاثنية بين مجتمعاتنا العربية العلمانية منها والغنية بالعيش المشترك بين مختلف الاطياف والاديان وفي تفتيت وتهجيرٍ للبنية الاجتماعية العربية تماماً كما حصل في العام 1948 عندما هُجّر الفلسطيني قسراً من ارضه هرباً من مذابح عصابات الهاغانا وشتيرن التابعه للصهيونية العالمية حتى صار القرار العربي لا وزن له ولا يحسب له اي حساب في تقرير مصير منطقتنا العربية، مقدمين بذلك الخدمة الكبرى للعدو الاسرائيلي في تحقيق مشروعه الصهيوني حتى ان الاسرائيليين صرحوا بان ما يحققه بعض العرب لصالح بقاء اسرائيل والحفاظ عليها يفوق التوقع الاسرائيلي وهو ما لم يستطع اركان العدو الاسرائيلي انفسهم تحقيقه منذ قيام الكيان الصهيوني...

هذا عند عرب النفط لكن اين فلسطين عند الايرانيين؟

منذ انطلاق الثورة الايرانية في العام 1979 ونجاحها بالاطاحة بحكم الشاه اعلنت الثورة الايرانية الالتزام المطلق بمناصرة ​القضية الفلسطينية​ ودعمها في شتى الوسائل سياسياً عسكرياً واقتصادياً على الرغم من الحروب والويلات التي شنها بعض العرب على ايران، مدعومة من القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، كان الهدف منها وأد مفاعيل الثورة الايرانية واخمادها او لجعلها طيعة لرغبات ومصالح الغرب وعدم السماح لمفهوم الثورة المتمسكة بفلسطين ارضاً وشعباً والداعمة لمقاومة العدو الاسرائيلي بالتأثير او الانتشار بين شعوب المنطقة، لكن تصميم ايران على التمسك بفلسطين ممتنعة عن المساومة او التهاون بالحق الفلسطيني وباستعادة القدس (من المنظور الاسلامي فقط) استنفر (عرب النفط السنة) واسرائيل والغرب باستعمال المنابر الدولية منصة لفرض عقوبات صارمة على ايران بهدف الهائها بازمات داخلية ولعرقلة مسيرتها في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي وثنيها عن دعم قوى المقاومة والممانعة ضد العدو الاسرائيلي العاملة في المنطقة.

الا ان ايران ثبتت على موقفها الداعم لفلسطين ولقوى المقاومة في المنطقة واستمرت في تطوير ذاتها من خلال رسائل البحث العلمي والتكنولوجي متكلة على امكاناتها الذاتية وخبرات ابنائها في الوصول الى العلم النووي السلمي المتطور مواكبة للركب والتطور العلمي بهدف تلبية احتياجات ايران المستقبلية وتأمين حياة افضل للشعب الايراني.

ثبات ايران وتمسكها بالحق الفلسطيني ودعمها للمقاومة لاسيما حزب الله في لبنان جعل من ايران قوة رادعة وممرا الزامياً لا بد منه في اي تسوية في المنطقة، فهي تتقن فن التفاوض واللعب مع الكبار بدبلوماسية هادئة وهادفة بدهاء فارسي متقن، ما اسفر عن اجبار القوى الغربية وعلى راسهم أميركا على الاعتراف بدورها الفاعل و بنووية ايران السلمية وابرام اتفاق العصر معها لتصبح ايران دولة ذات نفوذ وحضور لافت في المنطقة يحسب لها الحساب في المحافل الدولية على حساب العرب اصحاب القضية الفلسطينية انفسهم، ما افسح في المجال امام ايران لتكون اللاعب والشريك في تقرير مصير المنطقة بين القوى المقررة، اميركا وروسيا تركيا واسرائيل، بينما الحضور و القرار العربي غائب تماماً والسبب هو تخلي العرب عن فلسطين وعن قوى المقاومة في المنطقة.

تبقى فلسطين المعذبة تدفع الثمن الى ان يتوقف العرب عن حياكة وتنفيذ المؤامرات ضد قوى المقاومة والتخلي عن سياسة التبعية والاستزلام لأميركا والغرب وتقديم الهدايا المجانية للاسرائيلي والتمسك بالهوية العربية الداعمة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وايضاً حتى تقتنع ايران ان محاربة الاحتلال وتحرير القدس لا يمكن ان يتم من خلال المنظور الاسلامي فقط وان تسمح لباقي المكونات العربية القومية المتمسكة بهويتها العربية لتكون شريكاً متكاملاً في نضال عربي اسلامي. عندها فقط تصبح القضية المحورية التي تقرّب و تجمع بين العرب وايران... فلسطين.