»إنَّ الحكّام وأولياء الامور يخدمون الوطن والعمران بالمحافظـة على الشرائع ومراعاة قوة منطوقها، وبتنفيذها بحكمة متحاشين الافراط في الضعف والقسوة، لانه عندما تتلاشى الشرائع وعندما لا يُعاقب متعدّوها فأولياء الامور يخونون رعاياهم والمصلحة العامّة. قلنا يخونون لانهم ينقضون عهود الامانة في جانب الوطن ويعملون على خرابه«.

هذا الكلام الوارد اعلاه هو للمثلث الرحمات ​البطريرك مار الياس بطرس الحويك​ (1843 -1931) الرجل المناضل في سبيل الايمان والوطن، وهو ابو »​لبنان​ الكبير«.

وانني أدعو القارئ الى إعادة قراءة الفقرة الاولى لانني من المقدرين ان ما جاء فيها، وقد قيل قبل نحو مئة عام من اليوم، هو برنامج حكم يصلح لكل زمان ومكان. فيتعذر ازالة اي كلمة منه او الاستغناء عن كلمة أُخرى. وفي اسطر معدودة، وببلاغة تدعو الى الاعجاب، استطاع غبطته ان يرسم مخطّطاً للحكم كائنا ما كان النظام، لو شاء ارباب هذا النطام ان يعملوا على صيانة الوطن وسعادة المواطن.

ومع ان هذا الكلام قيل في زمن الانتداب، وقبل الاستقلال بالطبع فإنه ينطبق على واقعنا الحديث ونسأل ما اذا كان »الحكام واولياء الامور« عندنا، منذ الاستقلال وحتى اليوم، وبالذات في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف قد خدموا الوطن والعمران »بالمحافظة على الشرائع ومراعاة قوة منطوقها«. ونكاد نبحث عبثا عن قضية واحدة او موضوع واحد او مشروع واحد، روعيت فيه قوة الشرائع (القوانين) ومنطوقها ... او اذا كانوا قد نفذوها »بحكمة«. ويشرح، رحمات الله عليه، مفهومه العقلاني للتنفيذ بحكمة فيقول: »متحاشين الافراط« في العنف (وطبعا) في القسوة. ولقد شهدنا في زمن الوصاية افراطاً في القسوة، ونشهد في ما بعدها افراطاً في الضعف... باستثناء الافراط في القسوة على المستضعفين من هذا الشعب وهؤلاء هم الذين »ليس لهم ظهر« كما يقول مثلنا الشائع فيتمرجل عليهم الاخرون.

ويمضي الحويك ببلاغة رائعة فيقول: »لانه عندما تتلاشى الشرائع وعندما لا يُعاقب متعدّوها فأولياء الامور يخونون رعاياهم والمصلحة العامة«. وفي حالنا نسأل: اين هي الشرائع التي لا يتعدّونها؟ اجل اين هي القوانين التي لا يتجاوزونها؟! بل كم من قانون أقر خصيصا من اجل هذا او ذاك، وعلى قياس ثالث ورابع .... ودائما على حساب المصلحة العامة!

وفي تقديرنا ان لدى كل لبناني ومقيم على ارض لبنان كمّاً هائلاً من الامثلة على ضرب القوانين وتجاوزها وتقديم الانانيات والمصالح الشحصية على المصلحة العامة ...

ولكن الادانة لا تتوقف عند تنديد غبطته بالمتجاوزين، بل تصل الى حدّ اعتبار اولياء الامور، في هكذا حال، »يخونون رعاياهم والمصلحة العامة«. ويستدرك شارحا ومفسرا: »قلنا يخونون لانهم ينقضون عهود الامانة في جانب الوطن ويعملون على خرابه«.

انه كلام كبير من رجل كبير كان صاحب المقام الكبير... وبعد هل نعدد الذين يخونون؟ انهم يعرفون انفسهم واللبنانيون، بكبيرهم وصغيرهم يعرفونهم.