صفّق الوزير سجعان قزي بيديه أمّا عيناه فكانتا في مكان آخر. المشهد لفت مشاهدي الشاشة والحضور يوم إعلان القرار الكبير الذي إتخذه رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميّل، من البيت المركزي في الصيفي، والقاضي باستقالة «وزيري الحزب» سجعان قزي وآلان حكيم و»ترك الحرية» للوزير الثالث الذي اعتبر من حصة الكتائب في البداية، وزير الإعلام رمزي جريج.

ولم تمض ساعات قليلة حتّى بدأ يتضّح أن الوزير قزّي ليس في وارد الإستقالة. أقلّه أنه غير مؤيّد القرار. إلى أين سيمضي في موقفه؟ الجواب في وسائط الإعلام لم يكن شافياً أو حاسما. فالوزير البارع في التعامل مع الكلام، وبالرغم من صراحته، ترك سلّة إحتمالات من خلال الإنطباعات التي كوّنها كلامه: إنه لن يستقيل وهذا موقف قاطع. إنه يستقيل ولكنه يمارس المسؤولية في الوزارة بما يلامس الإنقطاع ويتجاوز تصريف الأعمال... إنه لا يرى فائدة من الإستقالة أقله في هذا التوقيت. إنه سيشرح موقفه في المكتب السياسي للحزب اليوم الإثنين ويأمل أن يأخذ المكتب السياسي بوجهة نظره: عدم جدوى الإستقالة!

معظم الأحزاب اللبنانية إن لم يكن جميعها، وبما فيها حزب الكتائب، واجهت هكذا حالات من قبل. إلاّ أن سجعان قزي نمط من الوزراء، أصحاب الرأي، الذين كانت لهم مواقف معروفة منذ ان كان صحافياً / إعلامياً، الى أن أشرف على إدارة إذاعة لبنان الحر التي أنشأها الرئيس الشهيد المرحوم بشير الجميّل، وبعد استشهاده بفترة وجد نفسه في «عالم آخر» عن ذلك «الحلم» فأذاع «بلاغاً» (مهماً) يسائل نفسه فيه: «هل أنت البشيري الوحيد...؟» فقال كلمته ومشى... إلا أن كلماته لا تزال تلعلع في خطب ومحاضرات لبشير الجمّيل وهي عديدة وبليغة. (وفي خطب لغير بشير ايضاً...).

ولو شئنا أن ننتقل الى الناحية الوزارية لوجدنا أنّ سجعان قزي وضع أسساً مهمة في «قضية» عمالة الأجانب. إلاّ أن ظروف لبنان، وطغيان النزوح السوري، وضعف الحكومة توافرت كلها لتحول دون تنفيذ قرارات وزير العمل، وتكفي نظرة الى المؤسسات الفندقية والمطاعم والمقاهي والملاهي ليتضح أن اليد العاملة الأجنبية، السورية تحديداً (وسواها بنسب مختلفة) قد حلّت محل اليد العاملة اللبنانية... ولا نتحدث هنا عمّا يخرج عن صلاحيات وزارة العمل ليطاول وزارات أخرى في مجال المصانع والمؤسسات غير الشرعية التي أقامها النازحون خلافاً للقانون ولأصول... الضيافة أيضاً!

أما على الصعيد الشخصي فيجب الإقرار بأن في الحياة فرصاً قد لا تتكرّر. ومع إحترامي الشديد للأستاذ سجعان، فربما لن تتكرر فرصة التوزير، وهو يجد أنه حقق كثيراً في الحقيبة الوزارية التي أسندت اليه... ثم هناك ضبابية كبيرة في مستقبل الإستحقاق الرئاسي، بحيث يبدو اجراء الإنتخابات الرئاسية بعيداً... فلماذا الإستقالة التي لن تؤدي الى أي مفعول سوى كونها «قنبلة صوتية» على حد التوصيف الذي أضفاه عليها الرئيس نبيه بري... وتلك كانت أشدّ «الملاحظات» قساوة...

إلاّ أن في الأمر حساباً آخر... فهذا الموضوع هو إمتحان مباشر للشيخ سامي الجميّل، وربما الإمتحان الأكبر في مسيرته المميزة، ولكن القصيرة، في رئاسة الحزب... والشق الثاني من الحساب هو في تقديرنا أن الأستاذ سجعان لا يفوته طموحه الى المقعد النيابي في كسروان وطبيعي أن يكون إطار تنفيذ هذا الطموح هو الترشّح بإسم حزب الكتائب وعلى اللائحة التي يكون الحزب داعماً لها.

فكيف سيتصرف الأستاذ سجعان في المكتب السياسي اليوم؟

»تلك هي المسألة»!