دخلتْ على لغة التخاطب عموماً والسياسي منها خصوصاً ولا سيما في السنوات القليلة الماضية عبارات ومفردات لم نعتد سماعها من قبل. فهي لغة تستسهل الشتم والقدح والذم والتشهير بعيداً عن الموضوعية واحترام الرأي الآخر.

وأصبحت القاعدة هي أن يبادر أحدهم الى اتهام الآخر بأبشع الاتهامات، وعلى هذا الآخر أن يدافع عن نفسه ويدحض هذه الاتهامات في محاولة لتبرئة نفسه، فيقع هذا الآخر بين خيارين: إمّا النزول الى لغة التخاطب نفسها والدخول في "ردة" زجلية يساجل فيها من ابتدأ وتنتهي الحكاية باشمئزار الناس من الاثنين ووضعهما في الخانة نفسها، وإمّا التغاضي عن الرد انطلاقاً من مقولة: "السفيه اكتفيه"، وانطلاقاً من مقولة نجيب محفوظ: "لا أجيد الرد على الكلمة الجارحة بمثلها فأنا لا أجيد السباحة في الوحل".

نشاهد مثلاً مقدمات الأخبار في بعض الأقنية اللبنانية التي تبدأ بسلسلة من الألفاظ السوقية الهابطة بحق كل من يختلف مع سياسة المحطة، مع "نَتع" لأكتاف المذيع او المذيعة، وغرق الى أبعد الحدود في الدور، مع "جَقرة" ونظرات اشمئزار وتحقير للمشاهدين.

ولا ننتظر طويلاً قبل أن تنطلق "ردة" من محطة أخرى نراها تتّبع الأسلوب نفسه مع رد الصاع صاعين للمحطة الأولى.

ونرى بعض الصحافة الصفراء تمتلك مطبخاً يُنتج ويضخ يومياً كمية هائلة من أخبار ملفقة ومزورة ومحوّرة، تلتقطها بعض الأقنية التي تحدثنا عنها فتكرّرها وتظهرها وكأنها حقيقة، ويقع ضحيتها كثيرون.

وطبعاً بعض مواقع التواصل الاجتماعي لا تحتاج الى توصية من حريص، فقد اكتشف هذا البعض في نفسه موهبة المراسل الإعلامي، فيُكرّر ومن دون تدقيق ما أطلقه المطبخ إيّاه وكرّرته صحافة صفراء وأذاعته تلك الأقنية.

في الحقيقة ما من أرقام تكذب لكنّ بعض الكذابين يرقمون. وقياساً نقول ما من إعلام يكذب لكن بعض الكذابين يمارسون الإعلام.

عام 2013 وقّع ممثلو 32 وسيلة اعلامية (صحف، تلفزيونات، اذاعات ومواقع إلكترونية) والمجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع ونقابة الصحافة ونقابة المحررين "ميثاق الشرف الاعلامي لتعزيز السلم الاهلي في لبنان الذي أطلقه مشروع تعزيز السلم الاهلي في لبنان التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي والممول من الاتحاد الاوروبي. واستند الميثاق في فقرته الثانية تحت عنوان "المنطلقات" الى روح مبادئ الأخلاقيات الصحافية والاعلامية، وتستلهم منها المبادئ الآتية:

أ - أخلاقيات الاعلام:

1 - حرية التعبير والاتصال.

2 - حق الجمهور في الحصول على المعلومات.

3 - حق الاعلاميين في ممارسة ما يمليه عليهم ضميرهم الانساني والمهني.

ب - واجبات الاعلامي والمؤسسات الاعلامية باعتماد:

1 - الدقة وحق الرد والتصحيح.

2 - التمييز بين الحقائق والتعليقات والآراء.

3 - احترام الخصوصية الشخصية.

4 - حماية المصادر.

5 - عدم الانحياز والتمييز.

6 - إعتماد الموضوعية والانصاف.

7 - تجنّب الاغراءات وتضارب المصالح.

ج - تتطلب المهنية والأخلاقيات الاعلامية الآتي:

1 - مراعاة بديهيات الاعلام: أ ـ الدقة أهم من السرعة: ب ـ الانصاف أولى من الاثارة: ج - إبلاغ الجمهور بالحقيقة هو الهدف.

2 - الإنصاف: أن لا تتسبّب تغطية الموضوع بضرر نفسي أو أخلاقي أو جسدي.

3 - الحياد: مسافة واحدة من جميع الأطراف.

4 - الدقة: تفادي الأخطاء بأنواعها.

5 - التوازن: منح فرص متساوية لأطراف الحدث داخل القصة.

6 - التكافؤ: إنتخاب أفضل ما لدى الأطراف من حجج.

7 - التجرد: فصل ما هو مسبق عن ما هو لاحق (فصل الآراء عن الحقائق).

8 - مراعاة السياق: ربط الجزء بالكل والخاص بالعام.

وقد أثنينا في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية على هذا الميثاق في حينه، لكن ولسوء الحظ ما يحصل اليوم في بعض وسائل الإعلام لا علاقة له بهذا الميثاق لا من قريب ولا من بعيد. وللحديث صلة.