هل أصبح شعار «حزب الكتائب» اللبنانية في هذه الأيام «على دعساتك يا سجعان مشينا»؟

يوم أمس صعد وزير العمل سجعان قزي إلى بكركي بهدف وضع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في ملابسات الاستقالة والقرار الذي اتخذه المكتب السياسي بفصله من حزب الكتائب، وما إن غادر الصرح البطريركي حتى وصل إليه نائب رئيس حزب الكتائب سليم الصايغ في محاولة لتطويق زيارة قزي، ووضع البطريرك في صورة ما اتخذه الحزب بحق من إنتسب إليه وهو في العقد الثاني من عمره متبوءاً المراكز العليا فيه.

صحيح أن توقيت زيارة الصايغ قد أزعج الوزير قزي لكنه لم يتوقف عندها وتعاطى مع الأمور وكأن شيئاً لم يكن، فهو شرح للبطريرك تفاصيل ما جرى من الألف إلى الياء مع حرص شديد على عدم إدخال البطريرك في تفاصيل القضايا الداخلية والحزبية، وهو رمى من وراء هذه الزيارة الصباحية إلى الاستئناس برأي البطريرك في ما خصّ الاستقالة من الحكومة، وقد خرج وزير العمل مرتاحاً لموقف البطريرك الذي يعتبر أن الأولوية الآن هي لانتخاب رئيس للجمهورية، وأنه حالياً مع الأسف بالرغم من كل عجز الحكومة لا يوجد بديلٌ عنها، وبالتالي يجب الحفاظ على تركيبتها الميثاقية.

وأمام ما سمعه من البطريرك وما هو في الأساس مقتنع به أخذ الوزير قزي موقفاً يرتكز على ما يلي:

أولاً: إن الاستقالة فعل باطل لأسباب دستورية وبالتالي لا بدّ من الاستمرار في تحمّل المسؤولية.

ثانياً: إن فصله من حزب الكتائب كان قراراً أحادياً لم يتسنَّ له الدفاع عن نفسه فيه، وبالتالي فإنه يعتبر أن الحزب هو من إنفصل عنه وليس هو من إنفصل عن الحزب.

ثالثاً: بالنسبة إلى آلية الفصل فإن لدى الوزير قزي ملاحظات حولها، لأن الآلية التي اتّبعت، كانت بطريقة سلطوية وهي أساءت إلى صورة «الكتائب» هذا الحزب الذي يسعى رئيسه الشيخ سامي الجميّل إلى إبرازه على أنه حزب ديمقراطي إجتماعي.

رابعاً: إن الوزير قزي سيواصل عمله وهو لن يدع موضوع الفصل من الحزب والخلاف مع قيادته أن يؤثّرا على الملفات التي تولاها في وزارة العمل، وهذه الملفات هي في الأساس في صلب نضال حزب الكتائب والتي من أبرزها: إطلاق مشروع فرصة العمل الأولى للشباب، الحدّ من نسبة البطالة، منع مزاحمة اليد العاملة الأجنبية للبنانيين، إلى مواجهة المشاريع المشبوهة لتثبيت النازحين السوريين، إلى إحياء المفاوضات مع السفارات المعنية بالعمالة الأجنبية وإعداد مذكرات تفاهم لتنظيم العمالة المهاجرة، إلى إعادة هيكلة وزارة العمل وإصلاحها ومنع الفساد والرشوة، إلى تحقيق اللامركزية، إلى ضمّ لبنان عبر المعاهدات إلى معاهدات حقوق الإنسان، إلى إطلاق دراسة حول سوق العمل، إلى إرساء قواعد علاقات جديدة مع الهيئات الاقتصادية، إلى التشدّد في مراقبة مكاتب الاستقدام ومنع الاتجار بالبشر إلخ...

وبالنسبة إلى العودة إلى حضور جلسات مجلس الوزراء فإن الوزير قزي الذي تسلّم مكتبه جدوليّ أعمال جلستي مجلس الوزراء اليوم والجمعة والقرارات التي اتخذت في الجلسة السابقة لمجلس الوزراء يتروّى في تحديد توقيت هذه العودة، وهذا الأمر ينسّقه مع رئيس الحكومة تمام سلام الذي كرّر بالأمس الإشادة بدوره وهو الذي برأيه تحمّل ما لا يتحمّله أحد، حتى أن كل ملاحظات الأطراف السياسية على الحكومة مجتمعين لا تشكّل عشرة في المائة من ملاحظات الرئيس سلام على الحكومة، ولو كانت الاستقالة ممكنة، ولو كانت الظروف مغايرة لتلك التي نعيشها لما كان تردّد لحظة في اتخاذها منذ زمن طويل وليس الآن.

صحيح أن الوزير قزي يشعر بالمرارة، وهو يأسف للقرار الذي اتخذه المكتب السياسي خصوصاً وأن كل من صوّت على قرار الفصل يعرف «طينته»، فإنه يعتبر أن ما حصل قد حصل، وأنه سيترك هذا الأمر وراء ظهره مواصلاً العمل في الوزارة حماية لليد العاملة اللبنانية، والوقوف سدّاً منيعاً أمام محاولات بعض الجهات الدولية لتثبيت النازحين السوريين في لبنان.

وإذا كان وزير العمل يشعر بالأسى من سلوكيات الحزب معه، فإن ما يعزّيه ردود الفعل المؤيّدة لموقفه، والاتصالات التي لا تعدّ ولا تحصى من داخل لبنان وخارجه وكلها أجمعت على تأييده وشجب قرار فصله من الحزب، حتى أن اتصالات كثيرة تلقاها من حزبيين إجتمعت على الوقوف إلى جانبه على غرار الاتصالات التي جاءته من كل الأطياف والإصطفافات السياسية في الثامن والرابع عشر من آذار.

لقد أنهى الوزير قزي نهاره أمس في مكتبه في اللعازارية بتوقيع ما أتاه من بريد للوزارة، وتناول الغداء بعد يوم طويل من الاستقبالات والمراجعات وقراءة الصحف التي كان العنوان البارز فيها قرار فصله من الحزب والمواقف التي أطلقها رداً على هذا الفصل، وهو طلب من أمينة سرّه تحديد مواعيد اليوم على غرار كل يوم.